لماذا كان مايو أكثر الأنظمة وأجملها أغاني؟
يرتبط جعفر نميري في أذهان السودانيين بأحداث دموية رافقت بدايات وأواخر عهده، وبأنه خرج عن الحكم آخر الأمر بثورة شعبية عارمة، إلا أن هناك من الشعراء والفنانين من رأوا فيه جوانب حسنة تستحق التغني بها. وقائمة المطربين الذين صدحوا بأغنيات تمجد جعفر نميري وثورته المسماة ثورة مايو تطول، بيد أن أبرزهم طبعاً محمد وردي في (يا حارسنا يا فارسنا يا بيتنا ومدارسنا), التي أصبحت بعد المفاصلة (ويبدو أن لكل عهد شمولي مفاصلته): لاك حارسنا لاك فارسنا يا القفلت مدارسنا.. والحق يقال – رغم أنفنا – فإن حال (المدارس) أيام نميري كان أفضل بكثير جداً من حالها بعده, لا من حيث إتاحة التعليم مجانياً تماماً وحسب, وإنما أيضاً من حيث مستوى جودة هذا التعليم وانتشاره الحقيقي في كل ربوع ونجوع هذه البلاد المليونية الأميال, والتي نرجو أن تظل كذلك بإذن واحد أحد وعلى كل حال سجل التاريخ أن وردي غنى ذات يوم لنميري:
يا فارسنا وحارسنا
يا بيتنا ومدارسنا
كنا زمن نفتش ليك
وجيتنا الليلة كايسنا
يا حارسنا
حبابك ما غريب الدار
وماك لي حقنا الودار
كنا زمن نفتش ليك
وجيتنا الليلة كايسنا
يا حارسنا
جيتنا وفيك ملامحنا
بعد يا مايو ما يئسنا
بنرجع ليك توصينا
بنسمع ليك تحدثنا
بيك يا مايو
يا سيف الفدا المسلول
نشق أعدانا
عرض وطول
حلفنا نقيف ونتحزم
نشد الساعد المفتول
عشان نبدى اشتراكية
ونرفع راية هم خلوها
فوق السارية متكية
دقت ساعة كانت نجمة
في أعماقنا منسية
كنا زمن نفتش ليك
وجيتنا الليلة كايسنا
يا حارسنا
(2)
المغنيه التي كان اسمها آنذاك حنان الصغيرة وصار بعدها حنان إبراهيم عرفها الناس بأداء عالي الروعة لرائعة خليل فرح (ما هو عارف قدمو المفارق), وغنت للأطفال (أنا طالبة شاطرة شطارة... في دروسي ومحبوبة من كل الحارة) و (أمي يا أجمل كلمة بقولا يا أحلى نشيد يا نغمة جميلة) وغير ذلك, وبعد أن كبرت ظهرت في دويتو مع الراحل حيدر حدربي تغني (آه يا حبيب ما تحن علي أنا وحن عليا.. بعطف عليك... وبحلف بي عينيك... لكن أعمل إيه.. الناس حواليا), ولكنها بين هذا وذاك غنت (بفكرك ووعيك يا ريس يا داب سودانا بقى كويس). وبنات طلسم صاحبات الاسم الفني الذي خلد بأكثر مما خلد نميري وحكومات بعده (البلابل):
الجنيات بشروا وليك البنات زغردن
وتوجوك رأس للبلد، وقودوك الرسن
تسلم أبعاج أخوي دراج المحن
يا أبقليبن صافي طيب
شان نحن عارفنك دليلنا ولرجانا ما بتخيّب
وجبت الري للعطاشى، والمريض بقيتو طيب
تسلم
(3)
المبدع خفيف الظل، والذي كان نسيجاً وحده، عبد العزيز محمد داوود، تورط هو أيضاً بالغناء للنميري:
نقولا نعم وألف نعم ليك يا القايد الملهم
نقولا من الضمير والفم
عشان أولادنا تتعلم
ويبدو أن (هاجس) التعليم والمدارس كان هماً أساسياً للمواطن السوداني في نهاية ستينيات القرن الماضي وبداية سبعينياته, ولعله كان متراجعاً وعاد متراجعاً بعدها, وربما دل ذلك على أن السودانيين كانوا قد أدركوا في تلك الأيام أن مستقبلهم الفردي والجماعي في التعليم والاستنارة وما إليهما. كذلك (تورط) الثنائي الجميل ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة في الغناء لنميري: (خليك حريص واصل كفاحك إنت القائد وإنت الرئيس)
(4)
ولا يليق أن لا نذكر في هذا المقام الراحل المقيم سيد خليفة ذلك الفنان الذي ارتبط ارتباطاً وجدانياً بمايو وغنى لها: (شدو لك ركب فوق مهرك الجماح) و(بالملايين ) و(أبوكم مين نميري) وغيرها, وإذا قارنا عهد مايو بالعهدين الشموليين عهد عبود قبله وعهد الإنقاذ بعده, نجد أنه نال دونهما حظاً وافراً من الأغنيات التي ترتفع جودتها اللحنية والشعرية مقارنة بهما, وربما ارتبط ذلك بحالة الرخاء النسبي التي كان عليها الناس عندما جاء نميري.
(5)
تعالوا نقبل اعتذار شاعر الشعب الإنسان الجميل محجوب شريف وهو يعتذر لنا عن (يا حارسنا يا فارسنا), وتعالوا (نتخيل) أن غيره من شعراء وملحني ومطربي أغنيات نميري يتقدمون لنا باعتذارات مماثلة, فلاشك أنه لا توجد أسرة سودانية إلا وقد تأذت بشكل ما من (أخطاء نميري الفادحة), والتي لم تكن الطريقة التي اختار أن يدير بها مصائرنا تمكنه من التراجع عنها ولا تمكننا من مراجعتها, ولاشك أننا لا نستطيع أن (نفصل) بين تلك الألحان الجميلة التي تسربت إلى وجداناتنا رغماً عنا, وبين مضامينها التي لا تزال فاقدة صلاحية الهضم..
ولكم منى عاطر التحايا ،،،،
يرتبط جعفر نميري في أذهان السودانيين بأحداث دموية رافقت بدايات وأواخر عهده، وبأنه خرج عن الحكم آخر الأمر بثورة شعبية عارمة، إلا أن هناك من الشعراء والفنانين من رأوا فيه جوانب حسنة تستحق التغني بها. وقائمة المطربين الذين صدحوا بأغنيات تمجد جعفر نميري وثورته المسماة ثورة مايو تطول، بيد أن أبرزهم طبعاً محمد وردي في (يا حارسنا يا فارسنا يا بيتنا ومدارسنا), التي أصبحت بعد المفاصلة (ويبدو أن لكل عهد شمولي مفاصلته): لاك حارسنا لاك فارسنا يا القفلت مدارسنا.. والحق يقال – رغم أنفنا – فإن حال (المدارس) أيام نميري كان أفضل بكثير جداً من حالها بعده, لا من حيث إتاحة التعليم مجانياً تماماً وحسب, وإنما أيضاً من حيث مستوى جودة هذا التعليم وانتشاره الحقيقي في كل ربوع ونجوع هذه البلاد المليونية الأميال, والتي نرجو أن تظل كذلك بإذن واحد أحد وعلى كل حال سجل التاريخ أن وردي غنى ذات يوم لنميري:
يا فارسنا وحارسنا
يا بيتنا ومدارسنا
كنا زمن نفتش ليك
وجيتنا الليلة كايسنا
يا حارسنا
حبابك ما غريب الدار
وماك لي حقنا الودار
كنا زمن نفتش ليك
وجيتنا الليلة كايسنا
يا حارسنا
جيتنا وفيك ملامحنا
بعد يا مايو ما يئسنا
بنرجع ليك توصينا
بنسمع ليك تحدثنا
بيك يا مايو
يا سيف الفدا المسلول
نشق أعدانا
عرض وطول
حلفنا نقيف ونتحزم
نشد الساعد المفتول
عشان نبدى اشتراكية
ونرفع راية هم خلوها
فوق السارية متكية
دقت ساعة كانت نجمة
في أعماقنا منسية
كنا زمن نفتش ليك
وجيتنا الليلة كايسنا
يا حارسنا
(2)
المغنيه التي كان اسمها آنذاك حنان الصغيرة وصار بعدها حنان إبراهيم عرفها الناس بأداء عالي الروعة لرائعة خليل فرح (ما هو عارف قدمو المفارق), وغنت للأطفال (أنا طالبة شاطرة شطارة... في دروسي ومحبوبة من كل الحارة) و (أمي يا أجمل كلمة بقولا يا أحلى نشيد يا نغمة جميلة) وغير ذلك, وبعد أن كبرت ظهرت في دويتو مع الراحل حيدر حدربي تغني (آه يا حبيب ما تحن علي أنا وحن عليا.. بعطف عليك... وبحلف بي عينيك... لكن أعمل إيه.. الناس حواليا), ولكنها بين هذا وذاك غنت (بفكرك ووعيك يا ريس يا داب سودانا بقى كويس). وبنات طلسم صاحبات الاسم الفني الذي خلد بأكثر مما خلد نميري وحكومات بعده (البلابل):
الجنيات بشروا وليك البنات زغردن
وتوجوك رأس للبلد، وقودوك الرسن
تسلم أبعاج أخوي دراج المحن
يا أبقليبن صافي طيب
شان نحن عارفنك دليلنا ولرجانا ما بتخيّب
وجبت الري للعطاشى، والمريض بقيتو طيب
تسلم
(3)
المبدع خفيف الظل، والذي كان نسيجاً وحده، عبد العزيز محمد داوود، تورط هو أيضاً بالغناء للنميري:
نقولا نعم وألف نعم ليك يا القايد الملهم
نقولا من الضمير والفم
عشان أولادنا تتعلم
ويبدو أن (هاجس) التعليم والمدارس كان هماً أساسياً للمواطن السوداني في نهاية ستينيات القرن الماضي وبداية سبعينياته, ولعله كان متراجعاً وعاد متراجعاً بعدها, وربما دل ذلك على أن السودانيين كانوا قد أدركوا في تلك الأيام أن مستقبلهم الفردي والجماعي في التعليم والاستنارة وما إليهما. كذلك (تورط) الثنائي الجميل ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة في الغناء لنميري: (خليك حريص واصل كفاحك إنت القائد وإنت الرئيس)
(4)
ولا يليق أن لا نذكر في هذا المقام الراحل المقيم سيد خليفة ذلك الفنان الذي ارتبط ارتباطاً وجدانياً بمايو وغنى لها: (شدو لك ركب فوق مهرك الجماح) و(بالملايين ) و(أبوكم مين نميري) وغيرها, وإذا قارنا عهد مايو بالعهدين الشموليين عهد عبود قبله وعهد الإنقاذ بعده, نجد أنه نال دونهما حظاً وافراً من الأغنيات التي ترتفع جودتها اللحنية والشعرية مقارنة بهما, وربما ارتبط ذلك بحالة الرخاء النسبي التي كان عليها الناس عندما جاء نميري.
(5)
تعالوا نقبل اعتذار شاعر الشعب الإنسان الجميل محجوب شريف وهو يعتذر لنا عن (يا حارسنا يا فارسنا), وتعالوا (نتخيل) أن غيره من شعراء وملحني ومطربي أغنيات نميري يتقدمون لنا باعتذارات مماثلة, فلاشك أنه لا توجد أسرة سودانية إلا وقد تأذت بشكل ما من (أخطاء نميري الفادحة), والتي لم تكن الطريقة التي اختار أن يدير بها مصائرنا تمكنه من التراجع عنها ولا تمكننا من مراجعتها, ولاشك أننا لا نستطيع أن (نفصل) بين تلك الألحان الجميلة التي تسربت إلى وجداناتنا رغماً عنا, وبين مضامينها التي لا تزال فاقدة صلاحية الهضم..
ولكم منى عاطر التحايا ،،،،