لقاء مطول مع الدكتورة فاطمة تتحدث فيه بكل صراحة مع الصحفي عادل سيد احمد من جريدة الوطن ومحمد دفع الله
بروفيسور فاطمة عبدالمحمود رئيس الاتحاد الاشتراكي السوداني جمعت ما بين العلم والسياسة والقيادة فهي اول وزيرة في السودان وافريقيا في عام (1972م) مايو، الى جانب عضويتها في البرلمان 1973، وأول وزيرة دولة للصحة والرعاية الاجتماعية وأول عضو مجلس الوزراء الى جانب مناصب أخرى سياسية كان لها السبق في العمل فيها، هذا الى جانب خبرات عملية منها أن البروفيسور اختصاصي اطفال وصحة عامة واختصاصي تنمية المرأة، وتقلدت بتخصصها عدة مناصب عملية، «الوطن» التقت بها وحاصرتها بالاسئلة تزامناً مع الاحتفال بذكرى مايو ، وسألتها عن سر ارتباطها بالانظمة الشمولية وانها دوماً تسعى الى السلطة وكانت اجوبتها تنم عن فهم عميق بتاريخ الحركة الوطنية في البلاد وكيف لا وهي أول امرأة تنتخب في الدوائر الجغرافية وحتى لا نكون حائلاً بينكم والحوار فإلى مضابطه:-
* في نظر البروفيسور فاطمة عبدالمحمود هل هناك ثمة تشابه ما بين مايو والانقاذ؟
- الشبه بينهما يتمثل في أن مايو والانقاذ ثورتان قام بهما افراد وقيادات من القوات المسلحة، والاثنان يمثلان الانظمة الشمولية، ولكن نجد أن الانقاذ نفذت التحول الديمقراطي وسلمت السلطة للجماهير عبر التنظيمات والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بصورة اسرع من الحكم المايوي الذي كان العالم فيه يؤيد الشمولية ونظام الحكم الواحد ، كما أننا نجد أن مايو تحالفت مع الانظمة السياسية في مراحل مختلفة اولها التحالف اليساري مع احزاب اليسار ثم الالتقاء مع القومية العربية ثم الشراكة مع التكنوقراط والعناصر الوطنية المستقلة وبعد المواجهات الدامية بين الحكومة والمعارضة في احداث سبتمبر 1975 واحداث يوليو 1976 لجأت مايو الى المصالحة الوطنية التي ضمت «الامة الاتحاديين (غير جناح الشريف الهندي) - الاخوان المسلمين»، وغيرهم من القطاعات التي اعطت الاولوية للاستقرار والتنمية وانفك حزب الامة من التحالف مع مايو وضعفت العلاقة بين الاتحاديين واصبح الحليف الاساسي هم الاخوان المسلمون والجبهة ، الى أن سقطت حكومة مايو لاسباب عدة.
فالظروف العالمية الرافضة للانظمة الشمولية وبروز اهمية حقوق الانسان وربطها بالتعاون الاقتصادي والسياسي والاجتماعي عجل للمؤتمر الوطني في تنفيذ سياسته تجاه التحول الديمقراطي للاسراع بحل القضايا الاقليمية.
* أصابع الاتهام تشير إلى ضلوعك في قوانين سبتمبر؟
- لا علاقة لي مباشرة بقوانين سبتمبر ، حيث إن المسؤولين المباشرين كانوا الاستاذ النيل ابوقرون ، والاستاذ عوض الجيد ، والاستاذة بدرية سليمان ، أما نحن في مجلس الشعب برئاسة عز الدين السيد ، وكنت وقتها مساعداً لرائد مجلس الشعب ، فقد راجعنا مشروعات قوانين سبتمبر حتى وصلت للتعديل الثالث وأجيزت بواسطة مجلس الشعب.
* ما هو سر ارتباطك بالأنظمة الشمولية؟
- نضوجي السياسي واهتمامي بالعمل الوطني أتى في مرحلة مايو التي حكمت في بداياتها شمولياً، واتجهت للديمقراطية عبر تمكن قوى الشعب العاملة العمال، المزارعين ، المثقفين ، الجنود ، الرأسمالية ، الوطنية وغير نظام الحكم المحلي وانتخاباته وانتخابات مجلس الشعب ورغم ضلوعي في النظام الشمولي المايوي فإنني كنت ومازلت اتمتع بشخصية تفكر بعقل وطني فيه وشائج استغلال الشخصية وهو الغالب سابقا وحاليا بمسحة من التمرد على الفساد والطرق الملتوية والاعتزاز بالشخصية السودانية نساء ورجالا ، ولهذا تمردت عندما كنت اول طالبة سودانية تتلقى تعليمها بشرق اوربا في منحة خاصة ليس عبر اية جهة غير الاجتهاد الشخصي ، وبدأت الاصرار واقتحمت الدوائر الجغرافية نصرني فيها اهلي الجموعية فقدموني على الاخرين كرما للمرأة ، وكانت اخر طموحاتي من اجل المرأة ان نافست في انتخابات حكم الاقليم الاوسط كنت الوحيدة من ضمن تسعة رجال بمن فيهم حاكم الاقليم ونائبه وقتها يسندهم الجهاز التنفيذي والعسكري وكنت الفائز الاول في القائمة ويعرف ذلك تماما الرئيس المشير جعفر نميري والحاكم الاسبق عبدالرحيم محمود وعندما منحني الرئيس وسام الحكم الاقليمي قلت له وكررتها حتى وقت قريب انا نجحت في الانتخابات وانت في حكم الحاكم، ولكنكم لاتريدون ذلك ورجعتم بانتصارات المرأة للوراء بعد ان قدمتوها على نساء العالم.. قال لي الرئيس نميري ،واشهد الله على ذلك ، انني لم اعينك حاكما لان ذلك سيفقدني قيادتين بارزتين من اقوى القيادات التي اعتمد عليها ولي اسباب اخرى احتفظ بها وهكذا اعتقد انني عشت ومازلت في نظام شمولي بممارسة ديمقراطية وطنية ساعدتني فيها الجينات التي انتمي اليها اولها الجموعية والمحسية من ناحية الاب والبطحانية والشايقية من ناحية الام ثم انتمائي الاسري العميق للطرق الصوفية السمانية القادرية والفادنية والتي مازلت اعظمها واعظم شعائرها وافتخر بها مع اعتذاري للمرجعية القبلية التي لا تعلو على الوطنية.
واحمد الله الذي خلق فيّ شخصية وطنية مستقلة قمت بتسعين في المائة من انجازاتي لوطني وبنات بلدي عبر نظام مايو تنظيمه الاتحادي الاشتراكي واتشرف الان بعد عودة الديمقراطية قد عدت لتنظيمي الاتحاد الاشتراكي السوداني تحت راية متجددة شعارها الديمقراطية والحرية بشفافية تامة بعيدا عن الشمولية وهذه انا بتاريخ شمولي ونظرة مستقبلية واثقة نحو الديمقراطية وتحكيم المرأة والانعطاف مع الريف من اجل التقدم الازدهار والعدالة.
* كيف ترين الإنقاذ الآن ؟
- اعتقد ـ وبدون رياء وتملق ـ ان الانقاذ الان نقف الان على ارضية ثابتة واهلت نفسها للقيادة القومية لاتباع سياسة البدائل والتراضي الوطني على المستوى السياسي والاجتماعي.. وصعود مقايس التمنية الاقتصادية الواضحة للعيان في مشروعات تحدٍ كبرى مثل: سد مروي ، الطرق والكباري ، انتاج وصناعة البترول والمعادن وسياسية التحول الديمقراطي السلمي وقبول الرأي الاخر ـ الى حدود ـ واتخاذ اتفاقية نيفاشا اساسا لحل لقضايا الخلافات والنزاعات الداخلية خاصة فيما يتعلق بقضية دارفور والتطوير الدبلوماسي الواضح في العلاقات الدولية والاقليمية عبر الحوار والمشورة بدلا من التشدد والاستعلاء والذي كان ملموسا في ردود الفعل الايجابية في قضية غزو ام ردمان الجائرة بواسطة بعض الحركات المتمردة وخاصة حركة العدل والمساواة.
ولكن رغم ما تحقق من انجازات فإن المسار مازال يحاج الى الكثير في مجال بسط الحريات والسعي لتطور اكثر في مجال العلاقات الخارجية دون المساس بسيادة البلاد مع مواصلة اتباع سياسة البدائل وتوسيع قاعدة التراضي الوطني والشراكات المؤسسية مع التركيز على حل قضية دارفور كأولوية قصوى على اساس سوداني دارفوري دارفوري، باشراك كافة القواعد والمؤسسات الوطنية بدرجة عالية من الشفافية وقفل الباب امام التدخلات الاجنبية ، هذا هو رأيي صراحة كما أرى الانقاذ، ونحن نسعى جميعا لتحقيق الاستقرار والوحدة الشاملة للوطن.
* ما هي أسباب تفرق المايويين؟
- إن التفرق في السياسة منهج اساسي وان يكون على اساس ومبادئ ورؤى ومدروسة وألا يكون التفرق في السياسة من اجل مصلحة شخصية او وسيلة تحطيم الضعفاء لازالة القادرين حتى يصفوا لهم الجو للعطاء عبر الممارسة.. بعض البرامج هي ابعد ما تكون عن مصلحة الشعب او تقدمه هذا يحدث في كل انواع الانظمة ديمقراطية كانت اولبيرالية، ولقد كتب العالم جوليوس نيريري عن الخلافات والانقسامات والتي عبر عنها في انها تتواجد اكثر وبصورة اعنف في الانظمة الاحادية والشمولية لان البدائل لا تتوفر ولا يتمكن الفرد او المجموعة من الفكاك من الانظمة الاحادية الشمولية حيث لا توجد احزاب او منظمات بديلة يمكن الانتماء اليها ولذلك يحدث الانقسام والانفصال والقطيعة وهذا اسوأ انواع التفرق السياسي وقد شهدناه ومارسناه كثيرا في الانظمة الشمولية.. وفي الانظمة الديمقراطية عندما تحل الفوضى محل الشفافية والديمقراطية وهذه تشهدها في دول العالم الثالث حيث يسود الجهل والامية وتنعدم العدالة حيث تشهد في مسرح الاحداث السياسية هذا النوع من الفرقة السياسية وعنفها في الانظمة المشولية ولذلك من الطبيعي ان نجد الانقسامات والفرقة بين المايويين الذين ينقسمون الى عدد من المجموعات، المجموعة الاولى التي انضمت اصلا الى الانقاذ بقناعات ثابتة وسارت في ركبها وهناك مجموعة اندمجت مع المؤتمر الوطني بعد اعلان اندماج تحالف قوي الشعب العاملة والمجموعة الثالثة وداخلها فصائل تربو على الاربعة مثل الاتحاد الاشتراكي الذي رأى اعضاؤه الحفاظ على مسمى الحزب او التنظيم نسبة لماله من جانب نفسي ومن اهداف وبرامج ارادوا ان يحيوها وفقا لقناعاتهم الشخصية وهناك تحالف الشعب القومي وتحالفات اخرى عبارة عن شرائح مايوية، ولكن ما يحدث هذه القطاعات او الفصائل والمجموعات المايوية هو ما وصفه جوليوس نيريري من عنف مثلما رأينا هذا في الشمولية بين الشعبي والوطني في بداياته وما شهدناه من بعض حركات التمرد في دارفور وفي جنوب وشرق السودان، ناهيك عن الانقسامات في حزب الامة والوطني الاتحادي والحزب الشيوعي الى غير ذلك من الاحزاب التنظيمات المختلفة ، ولكن ما يميز الخلافات والصراعات المايوية انها جميعها او جلها يحترم قيادته التقليدية الممثلة في شخص الرئيس المشير جعفر نميري، على عكس انقسامات الاحزاب الاخرى التي تنقسم على زعاماتها التقليدية في الاسلوب والمنهج وجميع التنظيمات المايوية المختلفة مثلما تحترم زعامة الرئيس جعفر نميري فانها ايضا تتفق في الخطوط والبرامج الوطنية العريضة وفي تقدم البلاد والعمل على وحدتها مع المؤتمر الوطني الخلاف الاساسي هو خلاف اسلوب عمل، إما اندماجا او تنسيقا مبرمجا.. والمايويون بطبعهم لايلجؤون الى الحروب والمؤامرات الاجنبية لحل قضايا الخلاف السياسي، فهم اما في سدة الحكم او في تحالف سلمي مع قوى الداخل التي تتوافق وبرامج التحالف التنموية او الانتماء الى حزب اخر.. ان الخلافات بين المايوين بالتنسيق مع بعضهم بعض في القضايا الوطنية الكبرى والتوحد تدريجيا في تنظيم واحد اوعدة تنظميات ذات وتيرة وتوجه واحد قد يبدو الافضل ولقد طرحنا هذا الامر كتنظيم الاتحاد الاشتراكي.
* الاتحاد الاشتراكي يغرد خارج سرب الأحداث السودانية؟
- ان سرب الاحداث السودانية متمركزا اساسا حول قضية دارفور وكانت قبلها قضية السلام في الجنوب والتي انتهت باتفاقية نيفاشا ثم الان اصبحت قضية الانتخابات هجاسا هاما في مجريات الاحداث وقضية الانتخابات تفرض اوضاعا بعينها على الاحزاب والتنظيمات مثلا لاهتمام بالتدرج الهيكلي والتنظيمي فالمالي.. و الوحدات التحتية والوسيطة والقيادات التنظيمية استعدادا للاقلاع.. ان الاتحاد الاشتراكي السوداني الذي نتحدث عنه ونقوده هو التنظيم الذي اسسه الرئيس جعفر محمد نميري ونفر كريم من القيادات المايوية وذلك في عام 1972م وهو حزب تقليدي مارس عمله لاكثر من اثني عشر عاما.. وكان مجمدا طيلة حكم ثورة الانقاذ مع بقية الاحزاب ولما رفع الحظر عن هذه الاحزاب وفتحت الانقاذ باب التولي الديمقراطي وايلولة السلطة سلميا للجماهير.. واصل الاتحاد الاشتراكي مهامه السياسية والتنظيمية بذات الاسس التي قام عليها، الا انه الغى جميع البنود التي تتعارض مع الديمقراطية والحرية والوحدة الوطنية . فهو تنظيميا متحرك ومجمع لقواعده في القضايا الكبرى الوطنية مشارك بالقلم والموقف والندوة ، ان الاتحاد الاشتراكي السوداني يقف على قاعدة متينة وليس خارج السرب.
*المايوين لديهم عداء مع حزب الأمة القومي ؟
- نعم هناك عداء بين حزب الامة والمايويين والعلاقة ظلت متأرجحة ما بين العداء السافر الذي وصل حد الحرابة في احداث الجزيرة ابا وودنابوي ومابين التقارب الذي حدث في المصالحة الوطنية ولقاء الرئيس نميري مع الامام الصادق المهدي ببورتسودان بعد احداث سبتمبر 75 يوليو 76 الى ان ادى الامام الصادق القسم عضواً في الاتحاد الاشتراكي السوداني وشارك حزب الامة بعدد يسير من الاعضاء في مجلس الشعب وكنت في تلك الفترة ناشطة ومهتمة بقضية المصالحة الوطنية وشاركت فيها بمبادرات شخصية تمثلت في زيارات واجتماعات بلندن بين المرحوم د. عمر نورالدايم والدكتور عبدالحميد صالح والامام الصادق المهدي وقيادات كثيرة، وكانت الرسائل تتبادل بين الامام الصادق والرئيس نميري عبري بواسطة اللواء طيار احمد المحينة الملحق العسكري وقتها بلندن واهم رسالة جادة ارسلت بواسطة الفريق عبدالماجد حامد خليل عندما كان نائبا لرئيس جعفر نميري وبعد ذلك استمرت العلاقة والواساطات الدبلوماسية وكان للسيد فتح الرحمن البشير اطال الله عمره حتى دور كبير حتى اثمرت الجهود وعاد السيد الامام الصادق المهدي وقيادته للسودان في اطار المصالحة والوحدة الوطنية الشاملة التي شارك فيها الاتحاديون عبر الحزب الوطني الاتحادي بقيادة عز الدين السيد والاسلاميين بقيادة د. حسن عبدالله الترابي والسيد احمد عبدالرحمن محمد استمرت وطورت المجموعة الثانية علاقاتها مع نظام مايو وتم التقارب اكثر مع الرئيس نميري خاصة بعد اعلانه قوانين سبتمبر ووقوف الجبهة الاسلامية مع المايويين بعد انتفاضة ابريل 1985 الى ان وصلت صورة العلاقة بدخول عدد كبير من المايويين في نظام ثورة الانقاذ ودخولهم بعد الاندماج وعلاقتهم الطيبة عبر التنظيمات المايوية الاخرى والتي لا يشوبها العداء السافر الذي تمثل في علاقة الاحزاب الاخرى مع الانقاذ للتقارب الفكري والتنظيمي الذي جمع نظام مايو الشمولي ونظام الانقاذ الشمولي، الى ان تطورت العلاقات فانتظم الجميع تحت لواء التحول الديمقراطي.. فالعداء لم يكن تاريخيا بين حزب الامة القومي والنظام المايوي فقط، بل امتد هذا العداء بين المايويين والحزب الشيوعي بعد احداث 19 يوليو وامتد بين مايو ومجموعة الاخوان المسلمين جناح الصادق عبداالماجد والبعثيين بعد ان تدهورت علاقة حزب البعث والنظام المايوي ، وكل هذه الصراعات والعداوات كانت في اطار الصراع حول السلطة ما بين شمولي وديمقراطي ، تقليدي ، وبين قوى حديثة ، والنتيجة في النهاية عبارة عن جراحات وصراعات مستمرة ولهذا الوضع التاريخي المأساوي فقد رأى الاتحاد الاشتراكي بصورته الجديدة المنقلبة على الشمولية المادية بالديمقراطية والحرية والوحدة الوطنية الجامعة ان يطرح صراعات وجراحات الماضي على طاولة المباحثات تمشيا مع وعد الوحدة والتماسك والتحول الديمقراطي التي رفعت شعارها ثورة الانقاذ ، وفي هذا الاطار نعقد مؤتمرا استثنائيا بالجزيرة ، مدينة ودمدني بغرض طرح بعض الحقائق حول ماجرى من احداث عبر تاريخ السودان خاصة مابعد الاستقلال والغرض الاساسي من هذا المؤتمر هو تهيئة الجو المعافى ولو نسبيا بين كافة الواجهات السياسية التي تصارعت مع مايو مثل حزب الامة ، الحزب الشيوعي والبعثي والعناصر الوطنية الاخرى كمساهمة في تنقية الاجواء والارتقاء الى مستوى رفيع لخلق ارضية للوحدة الوطنية الشاملة والتصدي لكل القضايا الوطنية التي تؤدي الى تفتيت وتمزيق وحدة السودان.. ونقف سدا منيعا ضد التدخل والمطامع الاجنبية في السودان.. واضح ان الخلاف والصراعات حول السلطة والثروة قد افرزت العديد من الظواهر السالبة التي يجب ان تقابل بمسؤلية وامانة وطنية.. إن اتفاق التراضي الوطني الذي وقعه الرئيس عمر حسن احمد البشير والامام الصادق المهدي، لهو خير دليل للاسراع بالوحدة الوطنية وخلق الارضية الايجابية التي تقود السودانيين الى ما يجمع لا الى ما يفرق.
* د. فاطمة عبدالمحمود تسعى دوما الى السلطة؟
- إن الصحيح هو أنني أسعى إلى العمل والعطاء المستمر، والسلطة التي توليتها في مايو من اطول فترات الوزراء وقتها في الجهاز التنفيذي والسياسي والتشريعي لم اتول بعدها منصبا ولم اسع لمنصب، بل ظللت اسعى للعمل المستمر الصالح بالطريقة التي تأهلت عليها، فخلفيتي وعملي الاساسي كطبيبة واخصائية طب اطفال وصحة مجتمع دعمتها بتخصص صحة وتنمية الاسرة اعانت على العمل المنتظم والنظرة الى القضية الاجتماعية والسياسية كحالة طبية تبدأ فيها بالكشف ثم الفحص والعلاج والمتابعة هكذا تألفت شخصيتي في تقييمي ومتابعتي لقضية المجتمع والانسان، بالرصد والحل والمتابعة وما وددت ان اضن على شبعي الذي علمني واحسن خبرتي وتجاربي ومكنني من السلطة رغم انها محددودة فإنني وسعتها بنظرتي التأملية.. عشت ايامي في السلطة وخارجها فوجدت واقتنعت بالنظرية ان السلطة / سرير وكرسي من مساميرBed of Nouilo يوخزك متي ما جلست عليه وكرسي السلطة يجذب نحو الانسان كل انواع المشاكل والعلل والعقبات، وخاصة اذا ما كنت جادا وحفيظا على وطنك وخدمة اهله في استقامة تامة ، فانت في هذه الحالة عنصر غير جاذب للعناصر الملتوية والفاسدة في المجتمع، ان اجمل الايام هي الايام التي تخدم فيها شعبك واهلك بارادتك وحر مالك ووقتك ، وتملك السلطة عبر المعرفة وادارك الحقوق والتعاون والتنسيق مع من يملك السلطة حقيقة فيمكلك لها من خلال التنسيق والتراضي والتعاون خدمة للانسان ابتغاء لمرضات الله، فيجعل الله في عملك بركة، وفي ايامك متعة ونعمة، فانا لست بطالبة سلطة، رغم انها تمكنك في خدمة الناس المباشرة، وبدونها تتحصل عليها بالجهد
* أُستاذة فاطمة.. وأَنتِ طالبة ناضجة بالثانوي العالي.. هل كُنتِ شيوعية؟؟!.
ـ أَنا كان لي نهجي الخاص.. فاطمة أحمد إبراهيم كانت معجبة بي كطالبة نشطة ومجتهدة.
لم أكن عضواً في الإتحاد النسائى، والذي كانت الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم، أَبرز قياداته.
** الإنتماء
لم أكن أنتمي مطلقاً لإتجاه سياسية، بعينه.. وإِنما كنت اناصر قضايا المرأة، وأُدافع عنها بشدة.. وكُنت أعتبر الإهتمام بالأكاديميات، والأنشطة الإجتماعية.. مداخل لمناصرة المرأة وقضاياها.
ظللت على هذا الحال، في كل مراحلي الدراسية.
** أُم درمان
لقد شكلت أُم درمان جزءاً من شخصيتي.. وقد أقمت لفترة هناك مع آل الخليفة عبدالله.. وقد تزوج الخليفة من حبوبتي بمسيد «ود عيسى».. محمد الخليفة وسليمان الخليفة، وفضل الخليفة، كانوا أَبناء خالة والدي.. وسليمان الخليفة تزوج عمتي.
** مع فاطمة
إِنَّ البيت الذي عشت فيه بأُم درمان، وكان منزل محمد وسليمان الخليفة «بالعباسية، شارع الأربعين»، كان بجوار منزل الأُستاذة فاطمة أحمد إبراهيم.. وكان والدي وعمي، قد طلبا من فاطمة أحمد إبراهيم أنْ تأخذني معها إِلى المدرسة.. وظللت على هذا الحال لمدة «4» سنوات، في فترة دراسة الوسطى.
* متى دخلتِ العمل العام، لأول مرة في حياتك؟؟!.
ـ أَنا أعتبر نفسي أَنني بدأت العمل العام، منذ الأَولية.. حيث درست الأولية بمدرسة السجانة.
وهنا أَذكر أَنَّ والدي كان يشجعنا على الأكاديميات.. وعلى العمل الإجتماعي، وكافة الأنشطة المدرسية.
** بيع
أبوي، في سبيل تعليمنا، كانت له خمسة بيوت، في السجانة.. باع معظمها من أجل تعليم أولاده.
وأذكر أيضاً.. وأثناء أنشطتي في الأحياء والمدرسة، أَنْ سمعت الأُستاذة فاطمة أحمد إبراهيم، بأَنَّ هناك طالبة تقوم بالتدريس، في الأحياء.. لمحو الأُمية.. جاءت وزارتني.. وقالت أَمام عدد من النساء: «من الممكن أن تكون البنت دي، ضمن أنشطة الإتحاد النسائى».. رفضوا لها، هذا الكلام، وأعترضوا، بسبب صغر سني..
* ماذا كُنتِ تفعلين في الإجازات، وعطلات المدرسة؟!.
ـ كنت أذهب مع أبي للمسيد.. وهناك أيضاً، أسست فصلاً، لمحو الأُمية.. وأعتبرته فاطمة أحمد إبراهيم، فرعاً للإتحاد النسائى.. وأُسست ثلاثة في العيلفون.. واعتبر الإتحاد النسائى، أن كل هذه الفروع، تتبع له.. وحقيقة أَنا قمت بهذه الأعمال، وأنا لم أكمل الوسطى بعد.
** تياران
* ولكن المدرسة كان بها تياران.. بمن تأثرتي؟؟!.
* كان هناك نشاط محموم للشيوعيات والأخوات المسلمات.. الإنتماءات السياسية كانت صارخة..
الشيوعيات كن بزعامة فاطمة أحمد إبراهيم.. والأخوات المسلمات بزعامة سعاد الفاتح البدوي.
كان التياران، يحاول كلّ منهما تجنيدي، أو استمالتي، على الأقل..
وحقيقة، في البدء كان لي ميول نحو «الأخوات المسلمات».. لدرجة أنني حضرت جزءاً من الإجتماعات، في بيوت.. وفي مواقع مختلفة.
* وماذا فعلتي وأنتِ طالبة في الثانوي العالي؟؟!.
ـ طبعاً، في الثانوي العالي فإنَّ الإنسان يحس بالنضج.. حاولن بعض الشيوعيات، تقديمي على أساس أنني شيوعية.. ولكن التنظيم رفض، بحجة صغر سني.
** مستقلة
ظللت مستقلة.. رغم أنني في مرحلة ما، من الثانوي، كنت أشعر بميل للإشتراكية.
أذكر أَن من أبرز معلماتي في الثانوي، كانت الأُستاذة سعاد الفاتح البدوي.
** الزواج
* دعينا نقفز إِلى الإتحاد السوفيتي.. وأنتِ طالبة بالجامعة.. في أول إجازة لكِ إِلى السودان.. تزوجتي .. وقد كُنت في أولى طب.. تزوجت من الدكتور سعيد المهدي!!.. أين كانت حفلة الزواج؟؟!.
ـ كانت في السجانة.
* وكيف كان الزفاف؟؟!.
ـ كان عادي جداً.. لبست فستان الزفاف العادي.
* رغم أنكم ارستقراطيون؟؟!.
ـ القناعة شيء آخر.. وأنا دائماً ما أحب التواضع.
* بمن كانت الحفلة؟؟!.
ـ فنانون كُثر.. اذكر منهم: أحمد المصطفى وثنائى النغم.
* الحفلة كانت للصباح؟؟!.
ـ نعم.. كانت سهرة طويلة.
** الزعيم
* الزعيم الأزهري.. تربطكم به صلة قوية؟؟!.
ـ نعم.. أبوي كان «وطني إتحادي» بارز.. كان مسؤول المال في حزب الأزهري.
* ومن حضر مراسم عقد القران؟؟!.
ـ محمد أحمد عروة.. وكان وقتها وزير داخلية نظام الفريق إبراهيم عبود.. وعروة جاب يوم عقدي، فرقة موسيقى الشرطة.
* ماذا تذكري في ذلك العقد.. وتلك الليلة؟؟!.
ـ أذكر أَن الذي عقد لي، هو الزعيم إسماعيل الأزهري.. لقد عقد لي بنفسه.. واكمل لي مراسم كتب الكتاب.
* وبعدها.. قمتم بإكمال كل حاجات العرس.. رقصة العروس والصبحية وخلافها؟؟!.
ـ نعم.. كل طقوس العرس، تمت
* الشيلة... كانت كم.. كم؟؟.. ومن وين؟؟.
- أجابت بضحكة السنين: الشيلة كانت 6، 6.. من انجلترا.. وأنا أحتفظ.. حتى الآن بـ«فستان الزفاف»..!.
* طيب... عرّسوك، وإنتِ في «أولى طب»، بجامعة موسكو.. «شهر العسل»، كان وين؟؟!.
- سافرت بعد العِرس - وليلة الزفاف، إلى لندن، حيث يقيم زوجي د. سعيد المهدي.
** طرد
* يعني أرسلوك «طرد»، لزوجك بلندن؟؟!.
- نعم... سافرتُ إليه في لندن.
* استقبلك بالمطار.. ماذا تذكّرين من ذاك اليوم.. كيف كانت حرارة الاستقبال؟؟.
- مثل أي عروس... فقد كان د. سعيد المهدي، في استقبالي بالمطار..
وأذكر موقفاً طريفاً، حصل في المطار... فقد اوقفتني السلطات هناك، ومنعوني من الدخول، لساعات... والسبب هو «الدهب»، الذي كنتُ ألبسه... فقد قررت السلطات أَْن أَخلع «الدهب»، الذي ألبسه.. ولكنّي رفضت.
** السفارة
مما اضطر معه، أَنْ يتّصل زوجي، بالسفارة السودانية، بلندن..
فجاء إلى المطار، الملحق الثقافي، السيد عثمان علي... والذي قام بكتابة ضمان... بعدها، دخلت البلد بـ«دهبي»..!.
* وبدأ برنامجكما، أنتِ وزوحك... ما بين لندن وموسكو؟؟!.
- نعم.. وضعنا برنامجاً للتلاقي... من شهر 4، لغاية شهر 9، كنتُ أحضر إلى لندن.. وهي فترة الإجازة من موسكو... حيث أقضي هذه الفترة، بلندن، متدرّبة في المستشفى.
ثم يحضر إلىّ د. سعيد، في موسكو... ويقضي كذلك، ثلاثة أشهر.
وهكذا استمرت حياتنا، خلال الفترة الدراسية.
* وأَنتِ في لندن... أَول موقف، لازال في ذاكرتك؟؟.
- أذكر، وأنا ماشة للمستشفى... وأنا مارّة بأحد شوارع لندن، لاحظتُ أَنَّ شخصاً يتكلّم معي، قائلاً:
إِنتِ سودانية؟؟!... فالتفت، ورديت عليه، بجدية وحزم: أيوه... بتسأل ليه؟؟!.. فقال لي: لأني أنا ذاتي سوداني، واسمي، «فلان الفلاني».. لم أَهتم كثيراً.
** حكاية
ولكن، بعد عودتي للبيت، حكيت لزوجي، ما حدث... فانتفض قائلاً:
أَلم تعرفي هذا الشخص.. إنَّه عبدالرحمن مختار، صاحب جريدة «الصحافة».
ثمّ طلب منّي، أَنْ نذهب إليه... وأَنْ اعتذر له..
وفعلاً، ذهبنا للأُستاذ عبدالرحمن مختار... وقضينا معه أُمسية جميلة... وتعللتُ له باستعجالي، وانشغالي، في ذاك اليوم، الذي لم أعرفه فيه.
** الأولاد
* ولكن، الولادة مع الدراسة، تعتبر أمراً صعباً؟؟!.
- الحكاية في الخارج، «System».. منظمة جداً.. فأَنت تضع برنامج السنة، كلها..
.
متب كان اول مولود لكي ؟؟
- وأَنا في نهائي طب... حيث أجهضت، عام67..
* عام النكسة؟؟!.
- نعم... ولكن الله عوّضني... حيث وضعتُ مولودي الأول، وهو خالد، سنة 1972.
* الولادة كانت وين؟؟!.
- الولادة كانت في السودان...
* ما عندك غير خالد؟؟.
- أحمدُ الله، فقد رزقنا، كذلك، ببنت.. واسمها هند.
* أين د. سعيد... وأين خالد.. وأين هند؟؟.
- د. سعيد انتقل إلى رحمة الله، قبل سنوات... وقد توفى مريضاً بالسرطان.. أنزل الله، على قبره، الرحمة.
أَما ابني خالد، فهو طبيب جراح، الآن، في رومانيا.
أما هند، فهي اختصاصية بنج، في «العناية المكثفة» «Intensive Care».. وهي الآن، متفرغة للدراسة..
** حظر السفر
* ما أهم محطة.. تذكريها.. في اجازاتك السنوية، للسودان؟؟!.
- حدث معي شيء غريب، وخطير جداً.. ففي إحدى زياراتي.. وبعد أَنْ انتهت اجازتي... وهممت بالعودة إلى موسكو... وإذا بي أُفاجأ بـ«حظر» سفري..
وقد اخطروني، واخطروا أُسرتي، بأنَّ الفريق عبود، ومن خلال اجتماع للمجلس المركزي، قرر عدم سفر هذه الطالبة... وكانت حيثيات قراره، مبنية على أنَّ هذه الطالبة «نشطة»، وتشترك في المؤتمرات، في شرق أوروبا... وتتحدّث في كلّ المنابر، ضد نظام نوفمبر.
* يعني كنتِ أنتِ «ثورة مضادة»، أُستاذة فاطمة؟؟.
- من الطبيعي، أَنْ أُعبّر عن وجهات نظري.. وهذا حقي..
* قُلت لها: الله يصبرك على أسئلتي ليك.. وقد كنتِ سادنة كبيرة لنظام مايو؟؟!.
- أجابت بضحكة وقورة عجوزة مدهشة، تذكرني بسنوات شبابها: تفضل.. تلك قناعاتي، والمبادئ التي أنحزت لها.
** متاعب أُسرية
* زوجك الدكتور سعيد المهدي.. ماذا كان إتجاهه؟؟!.
ـ بدأ حياته السياسية في جامعة، كيساري.. ثم أصبح بعد ذلك متديناً.
وقد إعتبره الشيوعيون أَنه قريب منهم.. ولكنهم زعلوا منه.. بسبب ما اعتبروه، إنه إنحياز لـ«جناح معاوية»، في ذلك الإنقسام المشهور، داخل الحزب الشيوعي السوداني.. بعد إنقلاب هاشم العطا.
* بصراحة كدا، يا أُستاذة.. ألم يكن متضايقاً من مشاركتك الفاعلة وحماسك الدافق، للعمل مع نظام مايو؟؟!.
ـ بعض الناس، اوحوا له وحاولوا تحريضه.. وقالوا له: ما ممكن تكون أنت وأُسرتك عايشين تحت حراسة العساكر، جنب البيت.
هذا الكلام سبب لنا بعض الحساسيات.. رغم أنه لم يطلب، صراحة، أنْ أترك العمل العام.. ولكني شعرت بأنه، في فترة معينة، ما كان مرتاحاً.. وبالطبع فإنَّ ذلك يسبب لنا شيئاً من المتاعب.
* وبعدين؟؟!.
- في يوم من تلك الأيام، إتصل بي عمر الحاج موسى.. وقال لي: عاوزين نعينك نائب وزير.
* الله.. كيف وافق زوجك؟؟!.
ـ شاورته.. وقد قال لي بالنص: «أَنا غير معترض.. وأكون شاركت في مسؤولية وجريمة، لو منعتك من مشاركة المرأة».
ثم أَستأذنت «أبوي».
** أَب عاج
* سألتها بخُبث تاريخي: إذن أنت مع نميري.. وفي «حكاياتنا مايو»؟!!.
- وقد حاول البعض أيضاً «الوشاية» بيني وبين زوجي..
فقد إتصل به نفر.. وتظاهروا له بأنهم يتحسسون من إهتمام نميري، بشخصي.
والحقيقة أَنَّ نميري كان يهتم بأي شخص نشط ومخلص..
ونميري كان مبهوراً بأنشطتي.. وهي مساهمات أعتبرُها أنها كانت متطورة وناجحة في مجالات قضايا المرأة.
لقد كُنتُ قيادية غير تقليدية في الإتحاد النسائى.. وكنت أحاول أنَّ أقدم شخصية جديدة، تدافع وتحمي وتطور حقوق المرأة.
* لا.. لا..لا
* نميري كان معجب بيك، أنت شخصياً؟؟!.
- الخصوم، كان يروجون لذلك.. نميري كان معجباً بأدائي واخلاصي للمبادىء التي اقتنعت بها، وعملت من أجلها، وضحيت وناضلت.
والحق أنَّ الرئيس نميري، وهو رجل صادق وجاد.. كان يقدر مجهوداتي وعملي ودوري.. بدليل أنه أعطاني أوسمة.. ودائماً ما كان يشيد بي. ويثني على نشاطاتي.. ويحيطني بالإشادات.
** حديث الشمارات
* ولكن «شمارات تلك الأيام»، جعلت منكما قصة.. «ما بتعرف نهاية»؟؟!.
- أجابت بخلطة من الإبتسامة والجدية، بعد أَنْ «صلحت» نظارتها:
البعض حاول، كذلك، أنْ يروج إلى أَنَّ الحكاية دي «إعجاب».. ولكن، هناك شيئاً في نميري، يعرفه الذين إشتغلوا معه.. نميري ما كان يعمل بعواطف..
يعلم الله أنَّ نميري كان يتعامل مع النساء في مايو.. كأنهن رجال.
* قاطعتها مستفزاً: انت عاوزة تقارني نفسك بـ «المكعكعات»، بتاعات الإتحاد الإشتراكي ديل..
إنتِ كنت تحفة وآية من الجمال..
عليك الله «يا فاطمة» لمن أصبحت وزيرة، كان عمرك كم ؟؟!.
- كان عُمري حوالي 28 سنة.. الصادق المهدي قال انه دخل الوزارة وعمره «30 سنة».. وقد دخلتها، وأنا في سن أصغر من الصادق المهدي.
* سيبك من الصادق المهدي.. خلينا في نميري..
هل تتذكري محطة كانت بمثابة «تصعيد» في العلاقة بينك وبين زوجك.. وأنت «منغمسة» في العمل في ظل نظام نميري ؟؟!.
المشاءون بالنميمة، أصلاً لم يتوقفوا عن أسلوب الوشايات..
وأذكر أنَّ هناك وفداً برئاسة نميري، كان مسافراً للحج.. وقد كُنت من ضمن هذا الوفد.
جئت لزوجي.. والحقيقة وجدته على خلفية بالموضوع.. وحسيت بأنَّ هناك تأثيراً عليه.. فما كان مقتنعاً.. بل كان متحفظاً.. فتردد في الموافقة.
مما إضطررت معه أنْ أذهب إلى والدي.. وحدثته بتردد زوجي.. فقال لي: «يا بتي، إنْ كنت راغبة في أداء الفريضة.. عليك أنْ ترفضي كلامنا، وتمشي بيت الله.. وما يهم، حتى لو طلقك»!!.
كانت بحق أزمة.. رغم أنني تحدثت إلى زوجي بصراحة.. وقلت له: إنَّ علاقتي بزوجة الرئيس، قديمة ومتينة.. وأنَّ «بُثينة» صديقة شخصية، تمتد علاقتي معها من عام 1970م.. وأستمرت حتى عام 1985م.
* ماذا كنتِ وقتها؟؟.
ـ كنت نائبة لوزير الشباب والرياضة، وقد كان في بدايات عام 1971م.
** تدخلات وأجاويد
* كيف تجاوزتي أزمة الحج، هذه؟؟!.
ـ ضربت لبدر الدين سليمان، وهو صديق لزوجي.. وزوجته صديقتي، وأستاذتي في المستشفى.. وقلت له: «ارجوك.. تحدث مع صديقك.. أتلكم معاهو».
وفعلاً.. تناقش معه بدر الدين، وبعد نقاش.. وافق.
* مبروك الحج.. ولو أنها جاءت متأخرة..
طبعاً رجعتوا..
هل حسيتي بأن زوجك «بلع» الحكاية؟؟!.
- أجابت بشفافية غير مألوفة في المرأة السودانية: ليقيتو زعلان.. وما إستقبلني كويس..
** إحتكاك
* ولكن بعض أقطاب مايو.. أغلظوا عليه وضايقوه؟؟!.
- زوجي.. الدكتور سعيد، كان أستاذاً للقانون، بجامعة الخرطوم.. أحمد سليمان المحامي كان وزيراً للعدل.. وسعيد كان مختلفاً معه، في عرض قانون معين.
فكتب أحمد سليمان مذكرة، إشتكى فيها د. سعيد، لنميري..!.
وفي تلك الشكوي إستخدم أحمد سليمان أسلوب «الضرب تحت الحزام».. حيث إدعى في شكواه، أنَّ د. سعيد يدرس الطلبة دون الإشارة للمراجع.. لقد حاول أحمد سليمان أنْ يطعن في مهنية وأمانة د. سعيد المهدي.
* نميري عمل شنو.. بعد أنْ وصلته الشكوى.. ماذا دار بينكما؟؟.
- إتصل بي.. نميري قال لي: زوجك بيقاوم في سياساتنا.. ويقف ضد وزارئنا.. وأكاديمياً يقوم بأخطاء، وهو غير مؤهل.. وعاوز «اشيلو» من كلية القانون.
* ماذا قُلتِ له.. هل تجرأتِ عليه؟؟!.
ـ طبعاً.. وأنا إمرأة واضحة جداً.. قُلت له : «كلَّ يوم تشكِر فيني.. زوجي رجل أمين ومؤهل.. عاوزني أستمر في الوزارة كيف، بعد أن «ترفد» زوجي..
أنا لا أقبل هذا الكلام.. ودا موقفي.
ولن أستمر في العمل في الوزارة، لو تعرض زوجي لأي ظلم.
ثم إتفقت مع نميري، أنْ أسأل زوجي حول ما أثاره أحمد سليمان.
* وسألتيه؟؟!.
ـ نعم.. بعد أن عدت إلى البيت سألته.. فنفى لي هذه الإتهامات، جملة وتفصيلاً.. وروى لي الخلافات بينه وبين أحمد سليمان.. وأنَّ المسألة لا تتعدى أنْ تكون اتهامات، غير صحيحة بسبب الخلافات بينه وبين أحمد سليمان.
** ناس الجامعة
* ثم ماذا؟؟!.
ـ مدير الجامعة البروفيسور مصطفي حسن.. ووزير التعليم العالي، تاج السر الخليفة.. كان موقفهما مشرفاً جداً.. حيث قال المدير: «د. سعيد دا، من أميز الأساتذة.. ومستحيل أنْ يكون صحيحاً ما نسب إليه من اتهام».
واتفقنا أنّ ما حدث من أحمد سليمان كان نوعاً من «التآمر السياسي».
* قُلت لها مداعباً: وطبعاً رجعتي لنميري.. «وكيف نرفض رجوع القمرا، لوطن القماري»؟؟!.
- خرجت منها ضحكة، من وسط الغم القديم: لم أكن لأقبل الظلم على الناس.. فكيف أقبله في زوجي.. وأنا أعلم تماماً قدراته ومؤهلاته.. رجعت لنميري، وقلت له: «أنا تحققت بنفسي، مما أثاره أحمد سليمان حول د. سعيد المهدي.. وسمعت اشادة وشهادة عظيمة من مدير الجامعة، ووزير التعليم العالي.. حيث إتفقا أنَّ د. سعيد من أميز اساتذة كلية القانون.. واضفت أنًَّ مدير الجامعة، قال بالنص: «سعيد ما ممكن يعمل أي عمل، يضر بسمعته الأكاديمية.. وانا أستبعد ذلك، بُعد السماء من الأرض».
وختمت حديثي مع نميري بالقول: «وعموماً ياريس، إذا حدث شيء لسعيد.. فهذه هي إستقالتي.
* وماذا حدث بعد ذلك؟؟.
ـ نميري نادى سعيد.. وقد وضح له سعيد المسألة بتفاصيلها، المنصبة حول إختلاف أحمد سليمان معه..
ثم اعتذر له نميري.
ولكن المسألة دخلت على د. سعيد.. فصمم على الإستقالة من الجامعة.. فرفضوا إستقالته.
فلجأ لأسلوب آخر، بحجة أنه «منتدب» للخارج.. فرفض نميري الإنتداب.
فتحدث وزير مجلس الوزراء، عبدالله الحسن إلى نميري بأن د. سعيد، يرغب في تحسين أوضاعه.. وأنه يجب ألا نعترض طريقة..
وبالفعل سافر سعيد إلى الإمارات منتدباً.
والحق أن كلية القانون، في تلك الفترة، خسرت استاذاً مميزاً وعالماً جليلاً.. د. سعيد كان دؤوباً في عمله.. يحب القانون وتدريس القانون.. كان يشرف على طلاب الماجستير والقانون.. وطلاب كُثر درسهم، أشهرهم: علي عثمان محمد طه، وأحمد ابراهيم الطاهر.
* وسألتها: أَنتِ «أبكيت» نميري؟؟!.
** فقالت لي، بدُعابة الناس الجادين: «بكى يا ناس بكى.. بكى وجاني اشتكى».
* قُلتُ لها بروح مبسوطة: الأغنية دي، سمعناها ونحن صغار.. كانوا بيعلّموا بيها العروس، الرقيص؟؟!.
** قالت لي: أيوه.. أيوه.. الأغنية دي كانت تأليف حول الإشاعات التي يطلقها البعض حولي.
* الحكاية
* قلتُ لها بشغف شديد: الحكاية شنو.. عليك الله.. أرجوك، لا تخفي علينا شيئاً؟؟!.
** فقالت، وهي تستحضر المشهد التاريخي: أحد أعضاء مجلس الشعب القومي..
* قاطعتها قائلاً: اسمو منو؟؟!.
** فقالت لي: والله العظيم، لم أسع حتى هذه اللحظة، لمعرفة اسمه.. ولكن، قالوا إنه أحد المعارضين، الذين حضروا بعد «المصالحة الوطنية»، عام 1977م.
لم أحاول معرفة اسمه، حتى لا أحقد عليه.
* قلتُ لها: طيب.. طيب.. الحكاية شنو.. أحكيها لينا، بالتفصيل المُمل؟؟!.
** قالت: هذا العضو، أثار داخل البرلمان، كلاماً، حول أَنَّ الوزيرة فاطمة عبدالمحمود «ضربت» مبلغاً من المال.. وأدخلته في حسابها الخاص.
* قلتُ لها: ولكن، يا أستاذة، كان هناك حديث حول اختفاء مبلغ «180» ألف جنيه..
المبلغ دا، بحسابات الزمن داك، يعتبر مبلغاً كبيراً..
ما تزعلي منّي: المبلغ دا، اختفى وين..
الله بيسألك، يوم الموقف العظيم.. وأَنتِ إمرأة حاجّة؟؟!.
** أجابت بثقة وثبات، ولم ألحظ أنها مهزوزة أو مضطربة:
حينما علمت بأنَّ الكلام وصل لنميري.. حضرت نفسي، حتى أرد على هذه الإتهامات الكاذبة.. خاصة وأنَّ الصحف أوردت كلام هذا العضو.. وقد كتبت بـ«البنط العريض»، أنَّ هناك اتهاماً من أحد أعضاء مجلس الشعب، لوزيرة الشؤون الإجتماعية، بأنّها حوّلت مبلغ «180» ألف جنيه لمصلحتها الشخصية.
* وجهاً لوجه
* وطبعاً.. قابلتِ نميري، بخصوص الإتهام الخطير دا؟؟!.
** أجابت بالقول: نعم.. نعم.. قابلته.
* قلتُ لها، بخبث: استدعاك.. أَمْ بادرتِ بالذهاب إليه؟؟!.
** قالت: استدعاني الرئيس نميري.. وقد كان معه، بدر الدين سليمان، رائد مجلس الشعب.. ودفع الله الحاج يوسف.. وقد كان وزيراً.
* أين كان الاستدعاء؟؟!.
** بقاعة الصداقة.. في مكتب الرئيس بالقاعة.
* عليك الله، ركّزي معنا شويّة.. واستحضري لنا، ما دار في هذا الإجتماع؟؟.
** حاضر.. حاضر.. نميري سألني من مبلغ الـ«180» ألف.. وما إذا كنت قد حوّلته لمصلحتي الشخصية.
* ماذا قلتِ لهم؟؟!.
** وضّحت للرئيس نميري تفاصيلها.. وقد كُنت جاهزة، بكل مستنداتي.
* قُلت لها، باسلوب «المباحث»: ممكن تشرحي لينا.. أين صرفتِ هذا المبلغ؟؟!.
** أجابت بدقة شديدة: ابتداءً، فإنَّ أي معاملة مالية، ما كانت لتتم إلاَّ في إطار النظم المالية، والتي ينظّمها القانون.
وأصلاً لم يكن لوزير أَنْ يتم له التصديق بالميزانيات، إلاَّ وفق مصادقة وزير المالية، بعد معرفة أوجه الصرف، وفق ميزانية الوزارة، المحددة سلفاً.
ووزير المالية، وقتها، عثمان هاشم، كان على علمٍ تام بمبلغ الـ«180» ألف جنيه.
* قلتُ لها، بجدية: يا أستاذة فاطمة.. دا مال الشعب السوداني.. وأنا أسألك اليوم، رغم أنَّ هذا الموضوع قديم.. ولكن، الحق القديم، ولا يسقط بالتقادم..
أين صرفتِ هذا المبلغ؟!.
** اجابت بثقة بائنة: كانت المستندات أمامي، وقتئذٍ، وأنا أتحدّث مع نميري، بقاعة الصداقة.. والصرف كان واضحاً..
فكل المبلغ، تمَّ صرفه على الأنشطة النسوية..
كانت هناك التزامات تجاه إتحاد نساء السودان بتحويل مبلغ «5» آلاف جنيه، لكلّ محافظة.. أي للإتحاد وفروعه، في السودان.. المحافظات كانت «15» محافظة.. الغرض كان تنفيذ برامج نسوية واحتفالات، ودعم لأنشطة المرأة..
بجانب مبلغ «10» آلاف جنيه، تمّ تحويلها لبعض المدارس.. وقد كان «الشيك»، مكتوب لدعم أنشطة مدارس أَحمد علي جابر، برفاعة.
وكان هناك، أيضاً، شيك آخر، لميزانية الإحتفال بعام المرأة.. يُقسّم على «15» محافظة.
وقد برهنت للرئيس نميري، بالمستندات المالية، أين تمّ صرف هذا المبلغ.. وأبرزت له التوقيعات الصادرة من كل جهة استلمت المبلغ.. وأبرزها توقيع المرحومة الأستاذة نفيسة كامل، المدير التنفيذي لإتحاد نساء السودان.
* دفع الله
* قلتُ لها: نميري اقتنع؟؟!.
** قالت: اقتنع.. ولكن، في ذاك الإجتماع حصل كلام بيني وبين دفع الله الحاج يوسف..
* قلتُ لها: مولانا..؟؟!... ماذا حدث بينكما..؟!.
الراجل صاحبي جداً.. وهو رجل في غاية التهذيب؟؟.
ولكن: دعي «الصحوبية» جانباً.. خلينا جادين: ماذا حدث بينك وبين مولانا دفع الله الحاج يوسف؟؟!.
** قالت بنبرة، تحمل «الزعل القديم»:
دفع الله بدأ يتحدّث عن الدستور.. وقال: «أنا كتبت الدستور»..!!.
فرديت عليه: وأنا كنت معترضة، على بعض بنوده.. وكنت ضد اجازته..
حتى إنَّ بدر الدين سليمان، بعد الإجتماع، قال لي: كنتِ عنيفة داخل الإجتماع.
* بكى يا ناس..!
* سألتها عن «الشمار» التاريخي:
ما وريتنا.. نميري بكى بسببك.. الـ«بكاهو شنو»؟؟!.
** نميري اقتنع بوجهة نظري.. وقد كان معجباً جداً بأدائي ونشاطي.. وهو يعلم مدى إخلاصي لمبادئ مايو.. ومدى التزامي بالقانون.
أذكر أنّه، بعد إجتماعنا الشهير، بقاعة الصادقة.. أَنْ خاطب نميري، مجلس الشعب القومي..
* قاطعتها قائلاً: هل ذهب للمجلس «مخصوص»، عشان موضوعك؟؟!.
** قالت: نعم.. قبلها.. نميري، كان أَنْ كوّن لجنة.. وبعد أَنْ توصّلت اللجنة إلى الحقائق.. اصدرت رئاسة الجمهورية بياناً، تمّ فيه تكذيب لهذه الإشاعة والإتهامات.
* وماذا حدث في برلمان مايو؟؟!.
** أذكر.. قبل مجيء نميري للبرلمان، وقبل إجتماعنا بقاعة الصداقة.. أَنْ جاءه بدر الدين سليمان، وقد كان رائداً لمجلس الشعب، ووضّح لنميري القصة كاملة.. وهو على علمٍ بكل تفاصيل المبلغ.. فقد شرحتها له.. وقال للنميري: «فاطمة قدّمت لمايو الكثير.. وضحّت»..
* ولكن، نميري، اقتنع بعد إجتماع القاعة الشهيرة؟؟.
** نعم.. نعم.. اقتنع.. لذلك ذهب وخاطب مجلس الشعب القومي.
* ماذا قال أمام المجلس؟؟!.
** أجابت بغبطة: قدّم مرافعة قوية جداً.. ودافع عن إنجازاتي وأدائي وسمعتي.. ووصل درجة من التأثر حتى بكى، أَمام الحاضرين.
* قلتُ لها: بكى شديد.. وللاّ «نُص نُص»؟؟!.
** قالت: بكى بتأثر بالغ.. لأنّه شعر بأنَّ هناك ظلماً شديداً قد وقع عليَّ.. وهو يعلم مدى إخلاصي، لمباديء مايو.. ويعرف تماماً نزاهتي.
نميري تحدّث بزعل شديد.. ولعلّه تذكر القصة التي رواها له البعض، بأنَّ فاطمة عبدالمحمود، ذات مرّة، غطّت رحلة من رحلات الإتحاد الإشتراكي.. بأنْ باعت «غويشاتها»..
نعم.. أنا بعت من «دهبي»، ذات مرّة، حتى أغطي، رحلة متعلقة بالإتحاد الإشتراكي السوداني..
* قلتُ لها: وماذا كان تعليق الشارع السوداني، على «بكية» نميري؟؟.
** كانت تصلنا الاشاعات.. وكل ما يثار حولنا، في الشارع..
فقد تحوّلت حكاية الـ«180» ألف، إلى أغنية، يرددها البعض..!.
* قلتُ لها: الأغنية.. كانت بتقول شنو؟؟!.
** قالتها، بدون لحن: بكى.. يا ناس بكى.. بكى، وجاني اشتكى..!.
* قلتُ لها: أنا متذكّر الأغنية دي..
ثم رددتها أمامها باللحن المشهور، لهذه الأغنية التاريخية..
لماذا حظروك من السفر إلى الاتحاد السوفيتي.. وحبسوك في السور الكبير، ألاَّ تخرجي من السودان؟؟!.
- الفريق عبود، شخصياً، عليه رحمة الله، ومعه مجلس القيادة للعسكريين، قرروا في اجتماع، ألاَّ تغادر الطالبة فاطمة عبد المحمود، السودان..
وألاَّ تدرس بالاتحاد السوفيتي.
لقد كان وزير الداخلية، وقتها، هو السيّد محمد أحمد عروة... ونائبه هو أَحمد رضا.
لقد أخطروني، بأَنَّ أَسباب الحظر، تعود إلى أنشطتي في الخارج.
ولعلَّ أقوى سبب، علمته فيما بعد، هو أَنّني تحدّثتُ في ملتقى شهير بأوسلو عن حكومة عبود.. وهاجمتُ مجموعة الـ«7 عساكر».
* العسكري
وفي اجازتي بالسودان، والتي علمتُ خلالها بقرار الحظر..
جاء عسكري، في الصباح الباكر، إلى منزلنا.. وأخطرنا بأَنَّ هناك استدعاء لفاطمة من وزير الداخلية.
طبعاً أهلي صعقوا واتخلعوا جداً.. وزير الداخلية يريد أَنْ يقابل ابنتهم الطالبة؟؟!.
المهم.. ذهبنا أَنا ووالدي.. ووصلنا إلى وزارة الداخلية.. وبعد أَنْ عرّفنا أنفسنا.. قالوا لنا: وزير الداخلية، غير موجود.. لكن هناك نائبه.
وبالفعل قابلنا وزير الداخلية بالإنابة، السيّد أحمد رضا.
وقد كان في معيتنا ابن عم والدي، الأُستاذ الرشيد نايل.. وهو قاضي سابق ومحامي.
* عنف شديد
أَحمد رضا، قابلنا بعنف شديد.. وقد كان غليظاً جداً في حديثه معنا.. وقال لي: «أنتِ وجهتِ اساءات بالغة لحكومتنا.. واشتركت في أنشطة كثيرة مضادة لنا.. وعندنا تقارير وتسجيلات كاملة، لأنشطتك بالخارج».
واستمر رضا في حديثه.. حيث ختم كلامه قائلاً: «أَنتِ محظورة من السفر»..!.
ثم استطرد في الحديث: «ستكون هناك بدائل، لمواصلة دراستك، بالسودان.. اذهبي للضابط عمر علي حسن، ولديه التعليمات الواضحة، تجاه موضوعك».
وبالفعل.. ذهبنا للضباط عمر.. وظلّ يحقق معي، على مدى ثلاثة أَيام..
ثمّ يقول لي: «أمشي.. وتعالي بكره»..!.
* عروة
وأثناء أيام التحقيق.. جاء وزير الداخلية، السيّد محمد أحمد عروة، من رحلته...
وفي يوم ضمن أيام التحقيقات معي... فوجئت بأنّني أَمام ما يشبه اللجنة.. وهم: عروة.. وأبارو، وقد كان مدير البوليس.. ونائبه، عبد القادر محمد الأمين أبو شامة.. وأبو شامة هو عمي.. وقد كان ضابطاً منضبطاً جداً، لم يتدخّل مطلقاً..
ورفض التدخل، بأي شكل من الأشكال..
وما كان يقبل أَنْ يتناقش معه أَحد، من أفراد الأسرة، في موضوعي، هذا..!.
وفي يوم آخر.. استدعاني وزير الداخلية، عروة.. مشينا أَنا وأبوي ونايل... تحدّث معي عروة، ثمّ أبارو...
وأذكر أَنَّ عروة قال لي:
«التقارير عنك تقول إنك أسد.. وأَنتِ أمامي الآن، وديعة جداً».
ثم ختم بالقول: «على كلّ حال، الرئيس عبود قرر ألاَّ تذهبي للدراسة في الاتحاد السوفيتي.. ووجّه بوضع بدائل دراسية بالداخل».
* المفاجأة
ولقد فاجأني عروة، بعرضٍ غريب جداً.. إِذْ قال لي: «ممكن نعيّنك عميد لكلية التمريض العالي».
فرديت عليه بالقول: «أنا ما قررت أكون ممرضة أو Sister.. أنا قررت أَدرس الطب».
فقال لي: «أكتبي جواب لطلعت فريد، وزير التربية والتعليم العالي.. حتى يوجد لك فرصة للدراسة بالجامعة، هُنا».
وأيامها كانت مطروحة فكرة دمج جامعة الخرطوم، ضمن مؤسسات الوزارة.. وألاَّ تكون هناك استقلالية، للجامعة.
وكان أَنْ قام طلعت فريد، بكتابة خطاب لمدير الجامعة.. طلب فيه، قبولي..
أَذكرُ أَنَّ عميد كلية العلوم، بروفيسور مصطفى حسن، رفض إجازة طلبي الذي تقدّم به وزير التعليم، طلعت فريد.. وقد كانت حجة العميد أَنَّ هذا السلوك، يعتبر تدخلاً سياسياً.. ويضر باستقلالية الجامعة.. فرفض دخولي لكلية الطب، والذي يبدأ بسنة في كلية العلوم.
ذهبتُ للعميد مصطفى حسن.. وقلتُ له: «الناس ديل منعوني اتعلّم بالخارج.. وقصدوا يضعوا الموضوع أمامك، حتى ترفض.. أَنا أرجو أَنْ تقيّم شهاداتي.. وإذا كنت مؤهلة، من حقي أَنْ أدخل جامعة الخرطوم.. وإلاَّ فلا».
فطلب منّي أَنْ أكتب طلباً للجنة المسؤولة.. وأرفق معه شهاداتي.. ثمّ يُعرض الموضوع على مؤسسات الجامعة المعنيّة..
وقد فهمت منه أنّه لا يرفض التعامل مع قضيتي بالفهم الأكاديمي، مثلي مثل بقية الطُلاب.. ولكنه يرفض أي تدخل سياسي.
وقد احترمت هذا الجانب، في هذا الرجل.
وبالفعل.. طلعت موافقة وتمّ قبولي بالجامعة.. وأخذوني في كلية الطب، على أَنْ أبدأ بكلية العلوم.
وقد كان عميد كلية الطب، وقتئذٍ، بروفيسور منصور علي حسيب.. ومقرر اللجنة هو البروفيسور علي فضل..
فأجازت اللجنتان «مشتركة بين كلية العلوم وكلية الطب»، أجازتا طلبي، بالإعتبارات الأكاديمية.. فدخلت الجامعة.
* أكتوبر
بدأت الدراسة.. ولكن، بدأ الشارع يشتعل، حيث كانت ثورة أكتوبر، والمظاهرات.
فاجتمع بي، بعض أفراد أُسرتي.. وقالوا لي: «المشاكل ستستمر.. والجامعة حا يقفلوها.. ولن يكون هناك إستقرار .. فأحسن ليك تعودي للدراسة، بالاتحاد السوفيتي.. خاصة وأَنَّ المسألة قد تنتهي بفصلك من الجامعة.. وأنتِ ناشطة ومناهضة لنظام عبود».
الكلام كان منطقياً، ومقنعاً بالنسبة لي.
* العودة
* قاطعتها قائلاً: ماذا فعلتِ.. وماذا كان قرارك؟؟!.
- هو أَنْ أعود لمواصلة دراستي بموسكو...
فرجعت لطلعت فريد.. فرفض عودتي للاتحاد السوفيتي.. وقال لي: «ممكن نوديك تدرسي في العراق».
في ذاك الاجتماع، مع طلعت فريد.. كان هناك شخصان يحضران الاجتماع، وهُما إبراهيم نور «مدير إدارة التعليم العالي».. وهاشم ضيف الله «من وزارة التربية والتعليم».
فأمر الوزير بأَنْ أذهب معهما.. وقد فوضوهما بحل مشكلتي وفق التوجيهات المحددة..
* فرنسا
وفعلاً ذهبنا، نحن الثلاثة لمكتب أحدهما..
فأعطى إبراهيم نور، تعليمات، لسكرتيرته بألاَّ يدخل علينا أَحد.. ثمَّ قفل الباب.. وقال لي بالنَص: «الناس ديل بيلعبوا... ونحن عندنا منح دراسية لفرنسا... نحن حا نعطيك منها، واحدة.. ومن هناك أمشي للاتحاد السوفيتي».
فقبلتُ الفكرة، باعتبارها أسلوباً جيداً للتخلص من الحظر..
وقدّرتُ لهما هذه الفكرة، ومساعدتي للخروج من السودان.
* ولكنّا علمنا أَنَّ هناك مشكلة واجهتك بالنسبة لجواز السفر.. كيف تتخلصتِ من قرار الحظر، الصادر من الرئيس عبود شخصياً؟؟!.
* عمي سرور رملي، كان ضمن قيادات الإدارة الأهلية.. وقد كان مستشاراً لمجلس قيادة الثورة.. وصديقه هو شيخ علي المنير، وهو زعيم السجادة التسعينية.. ولهما مكانة خاصة عند عبود.
وكان عبود يتوق لأن يصبح رئيس جمهورية.
فذهب الشيخ المنير، وقابل عبود.. وقال له: «أَنا شُفتَ في المنام، إنو بتنا فاطمة، شايلا ليها تاج رئاسة الجمهورية.. وبتلبسك ليهو، في راسك».
ثمّ روى لعبود حكاية حظري... فأمر الفريق عبود ووجّه بأن يسحبوا اسمي من قائمة حظر السفر.. وقال بالنَص: «طلعوا ليها جواز، على حسابي»..!.
* نعم.. ثم ذهبت للاتحاد السوفيتي.. وأكملت دراسة الطب.. وظللت «مشلهتة»، ما بين موسكو ولندن.. في رحلة «الزوج وزوجته»..؟!.
* نعم.. واصلتُ دراستي وأنشطتي.. وقد نجحت فكرة أَنْ أذهب لفرنسا، بإدعاء أنّني ذاهبة لأتعلّم هناك..
ومنها طرتُ إلى جامعتي بموسكو.
* نميري
* أُستاذة فاطمة.. سنسدل الستار على حياتك الطلابية.. وقد علمنا كلّ أَسرارها..
نعتبرك خلصت الجامعة..
ثمَّ عدتي إلى السودان.. وبدأتي فصلاً جديداً مع مايو.. ونميري.. ونظامه؟.
* نعم.. وتلك فترة طويلة.. وجزء أساسي من مسيرتي في الحياة العامة.
* قلتُ لها، بلطف: أَرجو ألاَّ تغضبي، من أي سؤال، أُوجّهه لكِ..
فأنتِ امرأة شفافة.. وقد كنت وزيرة صغيرة، في السن.. لبقة جداً..
وجميلة جداً؟؟!.
- أجابت ببرود إنجليزي، ممزوج بثقة روسية: أنا جاهزة لأي سؤال... حتى في أدقّ خصوصياتي.. وكما قلت أنت: «الشخص العام، ليس له أَسرار أو حياة خاصة».
***
* ثمّ نادت على الشغالة.. وطلبت منها أَنْ تعمل لي حاجة.. فسألتني البروفيسور فاطمة:
تشرب شنو؟؟!.
فقلتُ: شاي بلبن..!.
بروفيسور فاطمة عبدالمحمود رئيس الاتحاد الاشتراكي السوداني جمعت ما بين العلم والسياسة والقيادة فهي اول وزيرة في السودان وافريقيا في عام (1972م) مايو، الى جانب عضويتها في البرلمان 1973، وأول وزيرة دولة للصحة والرعاية الاجتماعية وأول عضو مجلس الوزراء الى جانب مناصب أخرى سياسية كان لها السبق في العمل فيها، هذا الى جانب خبرات عملية منها أن البروفيسور اختصاصي اطفال وصحة عامة واختصاصي تنمية المرأة، وتقلدت بتخصصها عدة مناصب عملية، «الوطن» التقت بها وحاصرتها بالاسئلة تزامناً مع الاحتفال بذكرى مايو ، وسألتها عن سر ارتباطها بالانظمة الشمولية وانها دوماً تسعى الى السلطة وكانت اجوبتها تنم عن فهم عميق بتاريخ الحركة الوطنية في البلاد وكيف لا وهي أول امرأة تنتخب في الدوائر الجغرافية وحتى لا نكون حائلاً بينكم والحوار فإلى مضابطه:-
* في نظر البروفيسور فاطمة عبدالمحمود هل هناك ثمة تشابه ما بين مايو والانقاذ؟
- الشبه بينهما يتمثل في أن مايو والانقاذ ثورتان قام بهما افراد وقيادات من القوات المسلحة، والاثنان يمثلان الانظمة الشمولية، ولكن نجد أن الانقاذ نفذت التحول الديمقراطي وسلمت السلطة للجماهير عبر التنظيمات والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بصورة اسرع من الحكم المايوي الذي كان العالم فيه يؤيد الشمولية ونظام الحكم الواحد ، كما أننا نجد أن مايو تحالفت مع الانظمة السياسية في مراحل مختلفة اولها التحالف اليساري مع احزاب اليسار ثم الالتقاء مع القومية العربية ثم الشراكة مع التكنوقراط والعناصر الوطنية المستقلة وبعد المواجهات الدامية بين الحكومة والمعارضة في احداث سبتمبر 1975 واحداث يوليو 1976 لجأت مايو الى المصالحة الوطنية التي ضمت «الامة الاتحاديين (غير جناح الشريف الهندي) - الاخوان المسلمين»، وغيرهم من القطاعات التي اعطت الاولوية للاستقرار والتنمية وانفك حزب الامة من التحالف مع مايو وضعفت العلاقة بين الاتحاديين واصبح الحليف الاساسي هم الاخوان المسلمون والجبهة ، الى أن سقطت حكومة مايو لاسباب عدة.
فالظروف العالمية الرافضة للانظمة الشمولية وبروز اهمية حقوق الانسان وربطها بالتعاون الاقتصادي والسياسي والاجتماعي عجل للمؤتمر الوطني في تنفيذ سياسته تجاه التحول الديمقراطي للاسراع بحل القضايا الاقليمية.
* أصابع الاتهام تشير إلى ضلوعك في قوانين سبتمبر؟
- لا علاقة لي مباشرة بقوانين سبتمبر ، حيث إن المسؤولين المباشرين كانوا الاستاذ النيل ابوقرون ، والاستاذ عوض الجيد ، والاستاذة بدرية سليمان ، أما نحن في مجلس الشعب برئاسة عز الدين السيد ، وكنت وقتها مساعداً لرائد مجلس الشعب ، فقد راجعنا مشروعات قوانين سبتمبر حتى وصلت للتعديل الثالث وأجيزت بواسطة مجلس الشعب.
* ما هو سر ارتباطك بالأنظمة الشمولية؟
- نضوجي السياسي واهتمامي بالعمل الوطني أتى في مرحلة مايو التي حكمت في بداياتها شمولياً، واتجهت للديمقراطية عبر تمكن قوى الشعب العاملة العمال، المزارعين ، المثقفين ، الجنود ، الرأسمالية ، الوطنية وغير نظام الحكم المحلي وانتخاباته وانتخابات مجلس الشعب ورغم ضلوعي في النظام الشمولي المايوي فإنني كنت ومازلت اتمتع بشخصية تفكر بعقل وطني فيه وشائج استغلال الشخصية وهو الغالب سابقا وحاليا بمسحة من التمرد على الفساد والطرق الملتوية والاعتزاز بالشخصية السودانية نساء ورجالا ، ولهذا تمردت عندما كنت اول طالبة سودانية تتلقى تعليمها بشرق اوربا في منحة خاصة ليس عبر اية جهة غير الاجتهاد الشخصي ، وبدأت الاصرار واقتحمت الدوائر الجغرافية نصرني فيها اهلي الجموعية فقدموني على الاخرين كرما للمرأة ، وكانت اخر طموحاتي من اجل المرأة ان نافست في انتخابات حكم الاقليم الاوسط كنت الوحيدة من ضمن تسعة رجال بمن فيهم حاكم الاقليم ونائبه وقتها يسندهم الجهاز التنفيذي والعسكري وكنت الفائز الاول في القائمة ويعرف ذلك تماما الرئيس المشير جعفر نميري والحاكم الاسبق عبدالرحيم محمود وعندما منحني الرئيس وسام الحكم الاقليمي قلت له وكررتها حتى وقت قريب انا نجحت في الانتخابات وانت في حكم الحاكم، ولكنكم لاتريدون ذلك ورجعتم بانتصارات المرأة للوراء بعد ان قدمتوها على نساء العالم.. قال لي الرئيس نميري ،واشهد الله على ذلك ، انني لم اعينك حاكما لان ذلك سيفقدني قيادتين بارزتين من اقوى القيادات التي اعتمد عليها ولي اسباب اخرى احتفظ بها وهكذا اعتقد انني عشت ومازلت في نظام شمولي بممارسة ديمقراطية وطنية ساعدتني فيها الجينات التي انتمي اليها اولها الجموعية والمحسية من ناحية الاب والبطحانية والشايقية من ناحية الام ثم انتمائي الاسري العميق للطرق الصوفية السمانية القادرية والفادنية والتي مازلت اعظمها واعظم شعائرها وافتخر بها مع اعتذاري للمرجعية القبلية التي لا تعلو على الوطنية.
واحمد الله الذي خلق فيّ شخصية وطنية مستقلة قمت بتسعين في المائة من انجازاتي لوطني وبنات بلدي عبر نظام مايو تنظيمه الاتحادي الاشتراكي واتشرف الان بعد عودة الديمقراطية قد عدت لتنظيمي الاتحاد الاشتراكي السوداني تحت راية متجددة شعارها الديمقراطية والحرية بشفافية تامة بعيدا عن الشمولية وهذه انا بتاريخ شمولي ونظرة مستقبلية واثقة نحو الديمقراطية وتحكيم المرأة والانعطاف مع الريف من اجل التقدم الازدهار والعدالة.
* كيف ترين الإنقاذ الآن ؟
- اعتقد ـ وبدون رياء وتملق ـ ان الانقاذ الان نقف الان على ارضية ثابتة واهلت نفسها للقيادة القومية لاتباع سياسة البدائل والتراضي الوطني على المستوى السياسي والاجتماعي.. وصعود مقايس التمنية الاقتصادية الواضحة للعيان في مشروعات تحدٍ كبرى مثل: سد مروي ، الطرق والكباري ، انتاج وصناعة البترول والمعادن وسياسية التحول الديمقراطي السلمي وقبول الرأي الاخر ـ الى حدود ـ واتخاذ اتفاقية نيفاشا اساسا لحل لقضايا الخلافات والنزاعات الداخلية خاصة فيما يتعلق بقضية دارفور والتطوير الدبلوماسي الواضح في العلاقات الدولية والاقليمية عبر الحوار والمشورة بدلا من التشدد والاستعلاء والذي كان ملموسا في ردود الفعل الايجابية في قضية غزو ام ردمان الجائرة بواسطة بعض الحركات المتمردة وخاصة حركة العدل والمساواة.
ولكن رغم ما تحقق من انجازات فإن المسار مازال يحاج الى الكثير في مجال بسط الحريات والسعي لتطور اكثر في مجال العلاقات الخارجية دون المساس بسيادة البلاد مع مواصلة اتباع سياسة البدائل وتوسيع قاعدة التراضي الوطني والشراكات المؤسسية مع التركيز على حل قضية دارفور كأولوية قصوى على اساس سوداني دارفوري دارفوري، باشراك كافة القواعد والمؤسسات الوطنية بدرجة عالية من الشفافية وقفل الباب امام التدخلات الاجنبية ، هذا هو رأيي صراحة كما أرى الانقاذ، ونحن نسعى جميعا لتحقيق الاستقرار والوحدة الشاملة للوطن.
* ما هي أسباب تفرق المايويين؟
- إن التفرق في السياسة منهج اساسي وان يكون على اساس ومبادئ ورؤى ومدروسة وألا يكون التفرق في السياسة من اجل مصلحة شخصية او وسيلة تحطيم الضعفاء لازالة القادرين حتى يصفوا لهم الجو للعطاء عبر الممارسة.. بعض البرامج هي ابعد ما تكون عن مصلحة الشعب او تقدمه هذا يحدث في كل انواع الانظمة ديمقراطية كانت اولبيرالية، ولقد كتب العالم جوليوس نيريري عن الخلافات والانقسامات والتي عبر عنها في انها تتواجد اكثر وبصورة اعنف في الانظمة الاحادية والشمولية لان البدائل لا تتوفر ولا يتمكن الفرد او المجموعة من الفكاك من الانظمة الاحادية الشمولية حيث لا توجد احزاب او منظمات بديلة يمكن الانتماء اليها ولذلك يحدث الانقسام والانفصال والقطيعة وهذا اسوأ انواع التفرق السياسي وقد شهدناه ومارسناه كثيرا في الانظمة الشمولية.. وفي الانظمة الديمقراطية عندما تحل الفوضى محل الشفافية والديمقراطية وهذه تشهدها في دول العالم الثالث حيث يسود الجهل والامية وتنعدم العدالة حيث تشهد في مسرح الاحداث السياسية هذا النوع من الفرقة السياسية وعنفها في الانظمة المشولية ولذلك من الطبيعي ان نجد الانقسامات والفرقة بين المايويين الذين ينقسمون الى عدد من المجموعات، المجموعة الاولى التي انضمت اصلا الى الانقاذ بقناعات ثابتة وسارت في ركبها وهناك مجموعة اندمجت مع المؤتمر الوطني بعد اعلان اندماج تحالف قوي الشعب العاملة والمجموعة الثالثة وداخلها فصائل تربو على الاربعة مثل الاتحاد الاشتراكي الذي رأى اعضاؤه الحفاظ على مسمى الحزب او التنظيم نسبة لماله من جانب نفسي ومن اهداف وبرامج ارادوا ان يحيوها وفقا لقناعاتهم الشخصية وهناك تحالف الشعب القومي وتحالفات اخرى عبارة عن شرائح مايوية، ولكن ما يحدث هذه القطاعات او الفصائل والمجموعات المايوية هو ما وصفه جوليوس نيريري من عنف مثلما رأينا هذا في الشمولية بين الشعبي والوطني في بداياته وما شهدناه من بعض حركات التمرد في دارفور وفي جنوب وشرق السودان، ناهيك عن الانقسامات في حزب الامة والوطني الاتحادي والحزب الشيوعي الى غير ذلك من الاحزاب التنظيمات المختلفة ، ولكن ما يميز الخلافات والصراعات المايوية انها جميعها او جلها يحترم قيادته التقليدية الممثلة في شخص الرئيس المشير جعفر نميري، على عكس انقسامات الاحزاب الاخرى التي تنقسم على زعاماتها التقليدية في الاسلوب والمنهج وجميع التنظيمات المايوية المختلفة مثلما تحترم زعامة الرئيس جعفر نميري فانها ايضا تتفق في الخطوط والبرامج الوطنية العريضة وفي تقدم البلاد والعمل على وحدتها مع المؤتمر الوطني الخلاف الاساسي هو خلاف اسلوب عمل، إما اندماجا او تنسيقا مبرمجا.. والمايويون بطبعهم لايلجؤون الى الحروب والمؤامرات الاجنبية لحل قضايا الخلاف السياسي، فهم اما في سدة الحكم او في تحالف سلمي مع قوى الداخل التي تتوافق وبرامج التحالف التنموية او الانتماء الى حزب اخر.. ان الخلافات بين المايوين بالتنسيق مع بعضهم بعض في القضايا الوطنية الكبرى والتوحد تدريجيا في تنظيم واحد اوعدة تنظميات ذات وتيرة وتوجه واحد قد يبدو الافضل ولقد طرحنا هذا الامر كتنظيم الاتحاد الاشتراكي.
* الاتحاد الاشتراكي يغرد خارج سرب الأحداث السودانية؟
- ان سرب الاحداث السودانية متمركزا اساسا حول قضية دارفور وكانت قبلها قضية السلام في الجنوب والتي انتهت باتفاقية نيفاشا ثم الان اصبحت قضية الانتخابات هجاسا هاما في مجريات الاحداث وقضية الانتخابات تفرض اوضاعا بعينها على الاحزاب والتنظيمات مثلا لاهتمام بالتدرج الهيكلي والتنظيمي فالمالي.. و الوحدات التحتية والوسيطة والقيادات التنظيمية استعدادا للاقلاع.. ان الاتحاد الاشتراكي السوداني الذي نتحدث عنه ونقوده هو التنظيم الذي اسسه الرئيس جعفر محمد نميري ونفر كريم من القيادات المايوية وذلك في عام 1972م وهو حزب تقليدي مارس عمله لاكثر من اثني عشر عاما.. وكان مجمدا طيلة حكم ثورة الانقاذ مع بقية الاحزاب ولما رفع الحظر عن هذه الاحزاب وفتحت الانقاذ باب التولي الديمقراطي وايلولة السلطة سلميا للجماهير.. واصل الاتحاد الاشتراكي مهامه السياسية والتنظيمية بذات الاسس التي قام عليها، الا انه الغى جميع البنود التي تتعارض مع الديمقراطية والحرية والوحدة الوطنية . فهو تنظيميا متحرك ومجمع لقواعده في القضايا الكبرى الوطنية مشارك بالقلم والموقف والندوة ، ان الاتحاد الاشتراكي السوداني يقف على قاعدة متينة وليس خارج السرب.
*المايوين لديهم عداء مع حزب الأمة القومي ؟
- نعم هناك عداء بين حزب الامة والمايويين والعلاقة ظلت متأرجحة ما بين العداء السافر الذي وصل حد الحرابة في احداث الجزيرة ابا وودنابوي ومابين التقارب الذي حدث في المصالحة الوطنية ولقاء الرئيس نميري مع الامام الصادق المهدي ببورتسودان بعد احداث سبتمبر 75 يوليو 76 الى ان ادى الامام الصادق القسم عضواً في الاتحاد الاشتراكي السوداني وشارك حزب الامة بعدد يسير من الاعضاء في مجلس الشعب وكنت في تلك الفترة ناشطة ومهتمة بقضية المصالحة الوطنية وشاركت فيها بمبادرات شخصية تمثلت في زيارات واجتماعات بلندن بين المرحوم د. عمر نورالدايم والدكتور عبدالحميد صالح والامام الصادق المهدي وقيادات كثيرة، وكانت الرسائل تتبادل بين الامام الصادق والرئيس نميري عبري بواسطة اللواء طيار احمد المحينة الملحق العسكري وقتها بلندن واهم رسالة جادة ارسلت بواسطة الفريق عبدالماجد حامد خليل عندما كان نائبا لرئيس جعفر نميري وبعد ذلك استمرت العلاقة والواساطات الدبلوماسية وكان للسيد فتح الرحمن البشير اطال الله عمره حتى دور كبير حتى اثمرت الجهود وعاد السيد الامام الصادق المهدي وقيادته للسودان في اطار المصالحة والوحدة الوطنية الشاملة التي شارك فيها الاتحاديون عبر الحزب الوطني الاتحادي بقيادة عز الدين السيد والاسلاميين بقيادة د. حسن عبدالله الترابي والسيد احمد عبدالرحمن محمد استمرت وطورت المجموعة الثانية علاقاتها مع نظام مايو وتم التقارب اكثر مع الرئيس نميري خاصة بعد اعلانه قوانين سبتمبر ووقوف الجبهة الاسلامية مع المايويين بعد انتفاضة ابريل 1985 الى ان وصلت صورة العلاقة بدخول عدد كبير من المايويين في نظام ثورة الانقاذ ودخولهم بعد الاندماج وعلاقتهم الطيبة عبر التنظيمات المايوية الاخرى والتي لا يشوبها العداء السافر الذي تمثل في علاقة الاحزاب الاخرى مع الانقاذ للتقارب الفكري والتنظيمي الذي جمع نظام مايو الشمولي ونظام الانقاذ الشمولي، الى ان تطورت العلاقات فانتظم الجميع تحت لواء التحول الديمقراطي.. فالعداء لم يكن تاريخيا بين حزب الامة القومي والنظام المايوي فقط، بل امتد هذا العداء بين المايويين والحزب الشيوعي بعد احداث 19 يوليو وامتد بين مايو ومجموعة الاخوان المسلمين جناح الصادق عبداالماجد والبعثيين بعد ان تدهورت علاقة حزب البعث والنظام المايوي ، وكل هذه الصراعات والعداوات كانت في اطار الصراع حول السلطة ما بين شمولي وديمقراطي ، تقليدي ، وبين قوى حديثة ، والنتيجة في النهاية عبارة عن جراحات وصراعات مستمرة ولهذا الوضع التاريخي المأساوي فقد رأى الاتحاد الاشتراكي بصورته الجديدة المنقلبة على الشمولية المادية بالديمقراطية والحرية والوحدة الوطنية الجامعة ان يطرح صراعات وجراحات الماضي على طاولة المباحثات تمشيا مع وعد الوحدة والتماسك والتحول الديمقراطي التي رفعت شعارها ثورة الانقاذ ، وفي هذا الاطار نعقد مؤتمرا استثنائيا بالجزيرة ، مدينة ودمدني بغرض طرح بعض الحقائق حول ماجرى من احداث عبر تاريخ السودان خاصة مابعد الاستقلال والغرض الاساسي من هذا المؤتمر هو تهيئة الجو المعافى ولو نسبيا بين كافة الواجهات السياسية التي تصارعت مع مايو مثل حزب الامة ، الحزب الشيوعي والبعثي والعناصر الوطنية الاخرى كمساهمة في تنقية الاجواء والارتقاء الى مستوى رفيع لخلق ارضية للوحدة الوطنية الشاملة والتصدي لكل القضايا الوطنية التي تؤدي الى تفتيت وتمزيق وحدة السودان.. ونقف سدا منيعا ضد التدخل والمطامع الاجنبية في السودان.. واضح ان الخلاف والصراعات حول السلطة والثروة قد افرزت العديد من الظواهر السالبة التي يجب ان تقابل بمسؤلية وامانة وطنية.. إن اتفاق التراضي الوطني الذي وقعه الرئيس عمر حسن احمد البشير والامام الصادق المهدي، لهو خير دليل للاسراع بالوحدة الوطنية وخلق الارضية الايجابية التي تقود السودانيين الى ما يجمع لا الى ما يفرق.
* د. فاطمة عبدالمحمود تسعى دوما الى السلطة؟
- إن الصحيح هو أنني أسعى إلى العمل والعطاء المستمر، والسلطة التي توليتها في مايو من اطول فترات الوزراء وقتها في الجهاز التنفيذي والسياسي والتشريعي لم اتول بعدها منصبا ولم اسع لمنصب، بل ظللت اسعى للعمل المستمر الصالح بالطريقة التي تأهلت عليها، فخلفيتي وعملي الاساسي كطبيبة واخصائية طب اطفال وصحة مجتمع دعمتها بتخصص صحة وتنمية الاسرة اعانت على العمل المنتظم والنظرة الى القضية الاجتماعية والسياسية كحالة طبية تبدأ فيها بالكشف ثم الفحص والعلاج والمتابعة هكذا تألفت شخصيتي في تقييمي ومتابعتي لقضية المجتمع والانسان، بالرصد والحل والمتابعة وما وددت ان اضن على شبعي الذي علمني واحسن خبرتي وتجاربي ومكنني من السلطة رغم انها محددودة فإنني وسعتها بنظرتي التأملية.. عشت ايامي في السلطة وخارجها فوجدت واقتنعت بالنظرية ان السلطة / سرير وكرسي من مساميرBed of Nouilo يوخزك متي ما جلست عليه وكرسي السلطة يجذب نحو الانسان كل انواع المشاكل والعلل والعقبات، وخاصة اذا ما كنت جادا وحفيظا على وطنك وخدمة اهله في استقامة تامة ، فانت في هذه الحالة عنصر غير جاذب للعناصر الملتوية والفاسدة في المجتمع، ان اجمل الايام هي الايام التي تخدم فيها شعبك واهلك بارادتك وحر مالك ووقتك ، وتملك السلطة عبر المعرفة وادارك الحقوق والتعاون والتنسيق مع من يملك السلطة حقيقة فيمكلك لها من خلال التنسيق والتراضي والتعاون خدمة للانسان ابتغاء لمرضات الله، فيجعل الله في عملك بركة، وفي ايامك متعة ونعمة، فانا لست بطالبة سلطة، رغم انها تمكنك في خدمة الناس المباشرة، وبدونها تتحصل عليها بالجهد
* أُستاذة فاطمة.. وأَنتِ طالبة ناضجة بالثانوي العالي.. هل كُنتِ شيوعية؟؟!.
ـ أَنا كان لي نهجي الخاص.. فاطمة أحمد إبراهيم كانت معجبة بي كطالبة نشطة ومجتهدة.
لم أكن عضواً في الإتحاد النسائى، والذي كانت الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم، أَبرز قياداته.
** الإنتماء
لم أكن أنتمي مطلقاً لإتجاه سياسية، بعينه.. وإِنما كنت اناصر قضايا المرأة، وأُدافع عنها بشدة.. وكُنت أعتبر الإهتمام بالأكاديميات، والأنشطة الإجتماعية.. مداخل لمناصرة المرأة وقضاياها.
ظللت على هذا الحال، في كل مراحلي الدراسية.
** أُم درمان
لقد شكلت أُم درمان جزءاً من شخصيتي.. وقد أقمت لفترة هناك مع آل الخليفة عبدالله.. وقد تزوج الخليفة من حبوبتي بمسيد «ود عيسى».. محمد الخليفة وسليمان الخليفة، وفضل الخليفة، كانوا أَبناء خالة والدي.. وسليمان الخليفة تزوج عمتي.
** مع فاطمة
إِنَّ البيت الذي عشت فيه بأُم درمان، وكان منزل محمد وسليمان الخليفة «بالعباسية، شارع الأربعين»، كان بجوار منزل الأُستاذة فاطمة أحمد إبراهيم.. وكان والدي وعمي، قد طلبا من فاطمة أحمد إبراهيم أنْ تأخذني معها إِلى المدرسة.. وظللت على هذا الحال لمدة «4» سنوات، في فترة دراسة الوسطى.
* متى دخلتِ العمل العام، لأول مرة في حياتك؟؟!.
ـ أَنا أعتبر نفسي أَنني بدأت العمل العام، منذ الأَولية.. حيث درست الأولية بمدرسة السجانة.
وهنا أَذكر أَنَّ والدي كان يشجعنا على الأكاديميات.. وعلى العمل الإجتماعي، وكافة الأنشطة المدرسية.
** بيع
أبوي، في سبيل تعليمنا، كانت له خمسة بيوت، في السجانة.. باع معظمها من أجل تعليم أولاده.
وأذكر أيضاً.. وأثناء أنشطتي في الأحياء والمدرسة، أَنْ سمعت الأُستاذة فاطمة أحمد إبراهيم، بأَنَّ هناك طالبة تقوم بالتدريس، في الأحياء.. لمحو الأُمية.. جاءت وزارتني.. وقالت أَمام عدد من النساء: «من الممكن أن تكون البنت دي، ضمن أنشطة الإتحاد النسائى».. رفضوا لها، هذا الكلام، وأعترضوا، بسبب صغر سني..
* ماذا كُنتِ تفعلين في الإجازات، وعطلات المدرسة؟!.
ـ كنت أذهب مع أبي للمسيد.. وهناك أيضاً، أسست فصلاً، لمحو الأُمية.. وأعتبرته فاطمة أحمد إبراهيم، فرعاً للإتحاد النسائى.. وأُسست ثلاثة في العيلفون.. واعتبر الإتحاد النسائى، أن كل هذه الفروع، تتبع له.. وحقيقة أَنا قمت بهذه الأعمال، وأنا لم أكمل الوسطى بعد.
** تياران
* ولكن المدرسة كان بها تياران.. بمن تأثرتي؟؟!.
* كان هناك نشاط محموم للشيوعيات والأخوات المسلمات.. الإنتماءات السياسية كانت صارخة..
الشيوعيات كن بزعامة فاطمة أحمد إبراهيم.. والأخوات المسلمات بزعامة سعاد الفاتح البدوي.
كان التياران، يحاول كلّ منهما تجنيدي، أو استمالتي، على الأقل..
وحقيقة، في البدء كان لي ميول نحو «الأخوات المسلمات».. لدرجة أنني حضرت جزءاً من الإجتماعات، في بيوت.. وفي مواقع مختلفة.
* وماذا فعلتي وأنتِ طالبة في الثانوي العالي؟؟!.
ـ طبعاً، في الثانوي العالي فإنَّ الإنسان يحس بالنضج.. حاولن بعض الشيوعيات، تقديمي على أساس أنني شيوعية.. ولكن التنظيم رفض، بحجة صغر سني.
** مستقلة
ظللت مستقلة.. رغم أنني في مرحلة ما، من الثانوي، كنت أشعر بميل للإشتراكية.
أذكر أَن من أبرز معلماتي في الثانوي، كانت الأُستاذة سعاد الفاتح البدوي.
** الزواج
* دعينا نقفز إِلى الإتحاد السوفيتي.. وأنتِ طالبة بالجامعة.. في أول إجازة لكِ إِلى السودان.. تزوجتي .. وقد كُنت في أولى طب.. تزوجت من الدكتور سعيد المهدي!!.. أين كانت حفلة الزواج؟؟!.
ـ كانت في السجانة.
* وكيف كان الزفاف؟؟!.
ـ كان عادي جداً.. لبست فستان الزفاف العادي.
* رغم أنكم ارستقراطيون؟؟!.
ـ القناعة شيء آخر.. وأنا دائماً ما أحب التواضع.
* بمن كانت الحفلة؟؟!.
ـ فنانون كُثر.. اذكر منهم: أحمد المصطفى وثنائى النغم.
* الحفلة كانت للصباح؟؟!.
ـ نعم.. كانت سهرة طويلة.
** الزعيم
* الزعيم الأزهري.. تربطكم به صلة قوية؟؟!.
ـ نعم.. أبوي كان «وطني إتحادي» بارز.. كان مسؤول المال في حزب الأزهري.
* ومن حضر مراسم عقد القران؟؟!.
ـ محمد أحمد عروة.. وكان وقتها وزير داخلية نظام الفريق إبراهيم عبود.. وعروة جاب يوم عقدي، فرقة موسيقى الشرطة.
* ماذا تذكري في ذلك العقد.. وتلك الليلة؟؟!.
ـ أذكر أَن الذي عقد لي، هو الزعيم إسماعيل الأزهري.. لقد عقد لي بنفسه.. واكمل لي مراسم كتب الكتاب.
* وبعدها.. قمتم بإكمال كل حاجات العرس.. رقصة العروس والصبحية وخلافها؟؟!.
ـ نعم.. كل طقوس العرس، تمت
* الشيلة... كانت كم.. كم؟؟.. ومن وين؟؟.
- أجابت بضحكة السنين: الشيلة كانت 6، 6.. من انجلترا.. وأنا أحتفظ.. حتى الآن بـ«فستان الزفاف»..!.
* طيب... عرّسوك، وإنتِ في «أولى طب»، بجامعة موسكو.. «شهر العسل»، كان وين؟؟!.
- سافرت بعد العِرس - وليلة الزفاف، إلى لندن، حيث يقيم زوجي د. سعيد المهدي.
** طرد
* يعني أرسلوك «طرد»، لزوجك بلندن؟؟!.
- نعم... سافرتُ إليه في لندن.
* استقبلك بالمطار.. ماذا تذكّرين من ذاك اليوم.. كيف كانت حرارة الاستقبال؟؟.
- مثل أي عروس... فقد كان د. سعيد المهدي، في استقبالي بالمطار..
وأذكر موقفاً طريفاً، حصل في المطار... فقد اوقفتني السلطات هناك، ومنعوني من الدخول، لساعات... والسبب هو «الدهب»، الذي كنتُ ألبسه... فقد قررت السلطات أَْن أَخلع «الدهب»، الذي ألبسه.. ولكنّي رفضت.
** السفارة
مما اضطر معه، أَنْ يتّصل زوجي، بالسفارة السودانية، بلندن..
فجاء إلى المطار، الملحق الثقافي، السيد عثمان علي... والذي قام بكتابة ضمان... بعدها، دخلت البلد بـ«دهبي»..!.
* وبدأ برنامجكما، أنتِ وزوحك... ما بين لندن وموسكو؟؟!.
- نعم.. وضعنا برنامجاً للتلاقي... من شهر 4، لغاية شهر 9، كنتُ أحضر إلى لندن.. وهي فترة الإجازة من موسكو... حيث أقضي هذه الفترة، بلندن، متدرّبة في المستشفى.
ثم يحضر إلىّ د. سعيد، في موسكو... ويقضي كذلك، ثلاثة أشهر.
وهكذا استمرت حياتنا، خلال الفترة الدراسية.
* وأَنتِ في لندن... أَول موقف، لازال في ذاكرتك؟؟.
- أذكر، وأنا ماشة للمستشفى... وأنا مارّة بأحد شوارع لندن، لاحظتُ أَنَّ شخصاً يتكلّم معي، قائلاً:
إِنتِ سودانية؟؟!... فالتفت، ورديت عليه، بجدية وحزم: أيوه... بتسأل ليه؟؟!.. فقال لي: لأني أنا ذاتي سوداني، واسمي، «فلان الفلاني».. لم أَهتم كثيراً.
** حكاية
ولكن، بعد عودتي للبيت، حكيت لزوجي، ما حدث... فانتفض قائلاً:
أَلم تعرفي هذا الشخص.. إنَّه عبدالرحمن مختار، صاحب جريدة «الصحافة».
ثمّ طلب منّي، أَنْ نذهب إليه... وأَنْ اعتذر له..
وفعلاً، ذهبنا للأُستاذ عبدالرحمن مختار... وقضينا معه أُمسية جميلة... وتعللتُ له باستعجالي، وانشغالي، في ذاك اليوم، الذي لم أعرفه فيه.
** الأولاد
* ولكن، الولادة مع الدراسة، تعتبر أمراً صعباً؟؟!.
- الحكاية في الخارج، «System».. منظمة جداً.. فأَنت تضع برنامج السنة، كلها..
.
متب كان اول مولود لكي ؟؟
- وأَنا في نهائي طب... حيث أجهضت، عام67..
* عام النكسة؟؟!.
- نعم... ولكن الله عوّضني... حيث وضعتُ مولودي الأول، وهو خالد، سنة 1972.
* الولادة كانت وين؟؟!.
- الولادة كانت في السودان...
* ما عندك غير خالد؟؟.
- أحمدُ الله، فقد رزقنا، كذلك، ببنت.. واسمها هند.
* أين د. سعيد... وأين خالد.. وأين هند؟؟.
- د. سعيد انتقل إلى رحمة الله، قبل سنوات... وقد توفى مريضاً بالسرطان.. أنزل الله، على قبره، الرحمة.
أَما ابني خالد، فهو طبيب جراح، الآن، في رومانيا.
أما هند، فهي اختصاصية بنج، في «العناية المكثفة» «Intensive Care».. وهي الآن، متفرغة للدراسة..
** حظر السفر
* ما أهم محطة.. تذكريها.. في اجازاتك السنوية، للسودان؟؟!.
- حدث معي شيء غريب، وخطير جداً.. ففي إحدى زياراتي.. وبعد أَنْ انتهت اجازتي... وهممت بالعودة إلى موسكو... وإذا بي أُفاجأ بـ«حظر» سفري..
وقد اخطروني، واخطروا أُسرتي، بأنَّ الفريق عبود، ومن خلال اجتماع للمجلس المركزي، قرر عدم سفر هذه الطالبة... وكانت حيثيات قراره، مبنية على أنَّ هذه الطالبة «نشطة»، وتشترك في المؤتمرات، في شرق أوروبا... وتتحدّث في كلّ المنابر، ضد نظام نوفمبر.
* يعني كنتِ أنتِ «ثورة مضادة»، أُستاذة فاطمة؟؟.
- من الطبيعي، أَنْ أُعبّر عن وجهات نظري.. وهذا حقي..
* قُلت لها: الله يصبرك على أسئلتي ليك.. وقد كنتِ سادنة كبيرة لنظام مايو؟؟!.
- أجابت بضحكة وقورة عجوزة مدهشة، تذكرني بسنوات شبابها: تفضل.. تلك قناعاتي، والمبادئ التي أنحزت لها.
** متاعب أُسرية
* زوجك الدكتور سعيد المهدي.. ماذا كان إتجاهه؟؟!.
ـ بدأ حياته السياسية في جامعة، كيساري.. ثم أصبح بعد ذلك متديناً.
وقد إعتبره الشيوعيون أَنه قريب منهم.. ولكنهم زعلوا منه.. بسبب ما اعتبروه، إنه إنحياز لـ«جناح معاوية»، في ذلك الإنقسام المشهور، داخل الحزب الشيوعي السوداني.. بعد إنقلاب هاشم العطا.
* بصراحة كدا، يا أُستاذة.. ألم يكن متضايقاً من مشاركتك الفاعلة وحماسك الدافق، للعمل مع نظام مايو؟؟!.
ـ بعض الناس، اوحوا له وحاولوا تحريضه.. وقالوا له: ما ممكن تكون أنت وأُسرتك عايشين تحت حراسة العساكر، جنب البيت.
هذا الكلام سبب لنا بعض الحساسيات.. رغم أنه لم يطلب، صراحة، أنْ أترك العمل العام.. ولكني شعرت بأنه، في فترة معينة، ما كان مرتاحاً.. وبالطبع فإنَّ ذلك يسبب لنا شيئاً من المتاعب.
* وبعدين؟؟!.
- في يوم من تلك الأيام، إتصل بي عمر الحاج موسى.. وقال لي: عاوزين نعينك نائب وزير.
* الله.. كيف وافق زوجك؟؟!.
ـ شاورته.. وقد قال لي بالنص: «أَنا غير معترض.. وأكون شاركت في مسؤولية وجريمة، لو منعتك من مشاركة المرأة».
ثم أَستأذنت «أبوي».
** أَب عاج
* سألتها بخُبث تاريخي: إذن أنت مع نميري.. وفي «حكاياتنا مايو»؟!!.
- وقد حاول البعض أيضاً «الوشاية» بيني وبين زوجي..
فقد إتصل به نفر.. وتظاهروا له بأنهم يتحسسون من إهتمام نميري، بشخصي.
والحقيقة أَنَّ نميري كان يهتم بأي شخص نشط ومخلص..
ونميري كان مبهوراً بأنشطتي.. وهي مساهمات أعتبرُها أنها كانت متطورة وناجحة في مجالات قضايا المرأة.
لقد كُنتُ قيادية غير تقليدية في الإتحاد النسائى.. وكنت أحاول أنَّ أقدم شخصية جديدة، تدافع وتحمي وتطور حقوق المرأة.
* لا.. لا..لا
* نميري كان معجب بيك، أنت شخصياً؟؟!.
- الخصوم، كان يروجون لذلك.. نميري كان معجباً بأدائي واخلاصي للمبادىء التي اقتنعت بها، وعملت من أجلها، وضحيت وناضلت.
والحق أنَّ الرئيس نميري، وهو رجل صادق وجاد.. كان يقدر مجهوداتي وعملي ودوري.. بدليل أنه أعطاني أوسمة.. ودائماً ما كان يشيد بي. ويثني على نشاطاتي.. ويحيطني بالإشادات.
** حديث الشمارات
* ولكن «شمارات تلك الأيام»، جعلت منكما قصة.. «ما بتعرف نهاية»؟؟!.
- أجابت بخلطة من الإبتسامة والجدية، بعد أَنْ «صلحت» نظارتها:
البعض حاول، كذلك، أنْ يروج إلى أَنَّ الحكاية دي «إعجاب».. ولكن، هناك شيئاً في نميري، يعرفه الذين إشتغلوا معه.. نميري ما كان يعمل بعواطف..
يعلم الله أنَّ نميري كان يتعامل مع النساء في مايو.. كأنهن رجال.
* قاطعتها مستفزاً: انت عاوزة تقارني نفسك بـ «المكعكعات»، بتاعات الإتحاد الإشتراكي ديل..
إنتِ كنت تحفة وآية من الجمال..
عليك الله «يا فاطمة» لمن أصبحت وزيرة، كان عمرك كم ؟؟!.
- كان عُمري حوالي 28 سنة.. الصادق المهدي قال انه دخل الوزارة وعمره «30 سنة».. وقد دخلتها، وأنا في سن أصغر من الصادق المهدي.
* سيبك من الصادق المهدي.. خلينا في نميري..
هل تتذكري محطة كانت بمثابة «تصعيد» في العلاقة بينك وبين زوجك.. وأنت «منغمسة» في العمل في ظل نظام نميري ؟؟!.
المشاءون بالنميمة، أصلاً لم يتوقفوا عن أسلوب الوشايات..
وأذكر أنَّ هناك وفداً برئاسة نميري، كان مسافراً للحج.. وقد كُنت من ضمن هذا الوفد.
جئت لزوجي.. والحقيقة وجدته على خلفية بالموضوع.. وحسيت بأنَّ هناك تأثيراً عليه.. فما كان مقتنعاً.. بل كان متحفظاً.. فتردد في الموافقة.
مما إضطررت معه أنْ أذهب إلى والدي.. وحدثته بتردد زوجي.. فقال لي: «يا بتي، إنْ كنت راغبة في أداء الفريضة.. عليك أنْ ترفضي كلامنا، وتمشي بيت الله.. وما يهم، حتى لو طلقك»!!.
كانت بحق أزمة.. رغم أنني تحدثت إلى زوجي بصراحة.. وقلت له: إنَّ علاقتي بزوجة الرئيس، قديمة ومتينة.. وأنَّ «بُثينة» صديقة شخصية، تمتد علاقتي معها من عام 1970م.. وأستمرت حتى عام 1985م.
* ماذا كنتِ وقتها؟؟.
ـ كنت نائبة لوزير الشباب والرياضة، وقد كان في بدايات عام 1971م.
** تدخلات وأجاويد
* كيف تجاوزتي أزمة الحج، هذه؟؟!.
ـ ضربت لبدر الدين سليمان، وهو صديق لزوجي.. وزوجته صديقتي، وأستاذتي في المستشفى.. وقلت له: «ارجوك.. تحدث مع صديقك.. أتلكم معاهو».
وفعلاً.. تناقش معه بدر الدين، وبعد نقاش.. وافق.
* مبروك الحج.. ولو أنها جاءت متأخرة..
طبعاً رجعتوا..
هل حسيتي بأن زوجك «بلع» الحكاية؟؟!.
- أجابت بشفافية غير مألوفة في المرأة السودانية: ليقيتو زعلان.. وما إستقبلني كويس..
** إحتكاك
* ولكن بعض أقطاب مايو.. أغلظوا عليه وضايقوه؟؟!.
- زوجي.. الدكتور سعيد، كان أستاذاً للقانون، بجامعة الخرطوم.. أحمد سليمان المحامي كان وزيراً للعدل.. وسعيد كان مختلفاً معه، في عرض قانون معين.
فكتب أحمد سليمان مذكرة، إشتكى فيها د. سعيد، لنميري..!.
وفي تلك الشكوي إستخدم أحمد سليمان أسلوب «الضرب تحت الحزام».. حيث إدعى في شكواه، أنَّ د. سعيد يدرس الطلبة دون الإشارة للمراجع.. لقد حاول أحمد سليمان أنْ يطعن في مهنية وأمانة د. سعيد المهدي.
* نميري عمل شنو.. بعد أنْ وصلته الشكوى.. ماذا دار بينكما؟؟.
- إتصل بي.. نميري قال لي: زوجك بيقاوم في سياساتنا.. ويقف ضد وزارئنا.. وأكاديمياً يقوم بأخطاء، وهو غير مؤهل.. وعاوز «اشيلو» من كلية القانون.
* ماذا قُلتِ له.. هل تجرأتِ عليه؟؟!.
ـ طبعاً.. وأنا إمرأة واضحة جداً.. قُلت له : «كلَّ يوم تشكِر فيني.. زوجي رجل أمين ومؤهل.. عاوزني أستمر في الوزارة كيف، بعد أن «ترفد» زوجي..
أنا لا أقبل هذا الكلام.. ودا موقفي.
ولن أستمر في العمل في الوزارة، لو تعرض زوجي لأي ظلم.
ثم إتفقت مع نميري، أنْ أسأل زوجي حول ما أثاره أحمد سليمان.
* وسألتيه؟؟!.
ـ نعم.. بعد أن عدت إلى البيت سألته.. فنفى لي هذه الإتهامات، جملة وتفصيلاً.. وروى لي الخلافات بينه وبين أحمد سليمان.. وأنَّ المسألة لا تتعدى أنْ تكون اتهامات، غير صحيحة بسبب الخلافات بينه وبين أحمد سليمان.
** ناس الجامعة
* ثم ماذا؟؟!.
ـ مدير الجامعة البروفيسور مصطفي حسن.. ووزير التعليم العالي، تاج السر الخليفة.. كان موقفهما مشرفاً جداً.. حيث قال المدير: «د. سعيد دا، من أميز الأساتذة.. ومستحيل أنْ يكون صحيحاً ما نسب إليه من اتهام».
واتفقنا أنّ ما حدث من أحمد سليمان كان نوعاً من «التآمر السياسي».
* قُلت لها مداعباً: وطبعاً رجعتي لنميري.. «وكيف نرفض رجوع القمرا، لوطن القماري»؟؟!.
- خرجت منها ضحكة، من وسط الغم القديم: لم أكن لأقبل الظلم على الناس.. فكيف أقبله في زوجي.. وأنا أعلم تماماً قدراته ومؤهلاته.. رجعت لنميري، وقلت له: «أنا تحققت بنفسي، مما أثاره أحمد سليمان حول د. سعيد المهدي.. وسمعت اشادة وشهادة عظيمة من مدير الجامعة، ووزير التعليم العالي.. حيث إتفقا أنَّ د. سعيد من أميز اساتذة كلية القانون.. واضفت أنًَّ مدير الجامعة، قال بالنص: «سعيد ما ممكن يعمل أي عمل، يضر بسمعته الأكاديمية.. وانا أستبعد ذلك، بُعد السماء من الأرض».
وختمت حديثي مع نميري بالقول: «وعموماً ياريس، إذا حدث شيء لسعيد.. فهذه هي إستقالتي.
* وماذا حدث بعد ذلك؟؟.
ـ نميري نادى سعيد.. وقد وضح له سعيد المسألة بتفاصيلها، المنصبة حول إختلاف أحمد سليمان معه..
ثم اعتذر له نميري.
ولكن المسألة دخلت على د. سعيد.. فصمم على الإستقالة من الجامعة.. فرفضوا إستقالته.
فلجأ لأسلوب آخر، بحجة أنه «منتدب» للخارج.. فرفض نميري الإنتداب.
فتحدث وزير مجلس الوزراء، عبدالله الحسن إلى نميري بأن د. سعيد، يرغب في تحسين أوضاعه.. وأنه يجب ألا نعترض طريقة..
وبالفعل سافر سعيد إلى الإمارات منتدباً.
والحق أن كلية القانون، في تلك الفترة، خسرت استاذاً مميزاً وعالماً جليلاً.. د. سعيد كان دؤوباً في عمله.. يحب القانون وتدريس القانون.. كان يشرف على طلاب الماجستير والقانون.. وطلاب كُثر درسهم، أشهرهم: علي عثمان محمد طه، وأحمد ابراهيم الطاهر.
* وسألتها: أَنتِ «أبكيت» نميري؟؟!.
** فقالت لي، بدُعابة الناس الجادين: «بكى يا ناس بكى.. بكى وجاني اشتكى».
* قُلتُ لها بروح مبسوطة: الأغنية دي، سمعناها ونحن صغار.. كانوا بيعلّموا بيها العروس، الرقيص؟؟!.
** قالت لي: أيوه.. أيوه.. الأغنية دي كانت تأليف حول الإشاعات التي يطلقها البعض حولي.
* الحكاية
* قلتُ لها بشغف شديد: الحكاية شنو.. عليك الله.. أرجوك، لا تخفي علينا شيئاً؟؟!.
** فقالت، وهي تستحضر المشهد التاريخي: أحد أعضاء مجلس الشعب القومي..
* قاطعتها قائلاً: اسمو منو؟؟!.
** فقالت لي: والله العظيم، لم أسع حتى هذه اللحظة، لمعرفة اسمه.. ولكن، قالوا إنه أحد المعارضين، الذين حضروا بعد «المصالحة الوطنية»، عام 1977م.
لم أحاول معرفة اسمه، حتى لا أحقد عليه.
* قلتُ لها: طيب.. طيب.. الحكاية شنو.. أحكيها لينا، بالتفصيل المُمل؟؟!.
** قالت: هذا العضو، أثار داخل البرلمان، كلاماً، حول أَنَّ الوزيرة فاطمة عبدالمحمود «ضربت» مبلغاً من المال.. وأدخلته في حسابها الخاص.
* قلتُ لها: ولكن، يا أستاذة، كان هناك حديث حول اختفاء مبلغ «180» ألف جنيه..
المبلغ دا، بحسابات الزمن داك، يعتبر مبلغاً كبيراً..
ما تزعلي منّي: المبلغ دا، اختفى وين..
الله بيسألك، يوم الموقف العظيم.. وأَنتِ إمرأة حاجّة؟؟!.
** أجابت بثقة وثبات، ولم ألحظ أنها مهزوزة أو مضطربة:
حينما علمت بأنَّ الكلام وصل لنميري.. حضرت نفسي، حتى أرد على هذه الإتهامات الكاذبة.. خاصة وأنَّ الصحف أوردت كلام هذا العضو.. وقد كتبت بـ«البنط العريض»، أنَّ هناك اتهاماً من أحد أعضاء مجلس الشعب، لوزيرة الشؤون الإجتماعية، بأنّها حوّلت مبلغ «180» ألف جنيه لمصلحتها الشخصية.
* وجهاً لوجه
* وطبعاً.. قابلتِ نميري، بخصوص الإتهام الخطير دا؟؟!.
** أجابت بالقول: نعم.. نعم.. قابلته.
* قلتُ لها، بخبث: استدعاك.. أَمْ بادرتِ بالذهاب إليه؟؟!.
** قالت: استدعاني الرئيس نميري.. وقد كان معه، بدر الدين سليمان، رائد مجلس الشعب.. ودفع الله الحاج يوسف.. وقد كان وزيراً.
* أين كان الاستدعاء؟؟!.
** بقاعة الصداقة.. في مكتب الرئيس بالقاعة.
* عليك الله، ركّزي معنا شويّة.. واستحضري لنا، ما دار في هذا الإجتماع؟؟.
** حاضر.. حاضر.. نميري سألني من مبلغ الـ«180» ألف.. وما إذا كنت قد حوّلته لمصلحتي الشخصية.
* ماذا قلتِ لهم؟؟!.
** وضّحت للرئيس نميري تفاصيلها.. وقد كُنت جاهزة، بكل مستنداتي.
* قُلت لها، باسلوب «المباحث»: ممكن تشرحي لينا.. أين صرفتِ هذا المبلغ؟؟!.
** أجابت بدقة شديدة: ابتداءً، فإنَّ أي معاملة مالية، ما كانت لتتم إلاَّ في إطار النظم المالية، والتي ينظّمها القانون.
وأصلاً لم يكن لوزير أَنْ يتم له التصديق بالميزانيات، إلاَّ وفق مصادقة وزير المالية، بعد معرفة أوجه الصرف، وفق ميزانية الوزارة، المحددة سلفاً.
ووزير المالية، وقتها، عثمان هاشم، كان على علمٍ تام بمبلغ الـ«180» ألف جنيه.
* قلتُ لها، بجدية: يا أستاذة فاطمة.. دا مال الشعب السوداني.. وأنا أسألك اليوم، رغم أنَّ هذا الموضوع قديم.. ولكن، الحق القديم، ولا يسقط بالتقادم..
أين صرفتِ هذا المبلغ؟!.
** اجابت بثقة بائنة: كانت المستندات أمامي، وقتئذٍ، وأنا أتحدّث مع نميري، بقاعة الصداقة.. والصرف كان واضحاً..
فكل المبلغ، تمَّ صرفه على الأنشطة النسوية..
كانت هناك التزامات تجاه إتحاد نساء السودان بتحويل مبلغ «5» آلاف جنيه، لكلّ محافظة.. أي للإتحاد وفروعه، في السودان.. المحافظات كانت «15» محافظة.. الغرض كان تنفيذ برامج نسوية واحتفالات، ودعم لأنشطة المرأة..
بجانب مبلغ «10» آلاف جنيه، تمّ تحويلها لبعض المدارس.. وقد كان «الشيك»، مكتوب لدعم أنشطة مدارس أَحمد علي جابر، برفاعة.
وكان هناك، أيضاً، شيك آخر، لميزانية الإحتفال بعام المرأة.. يُقسّم على «15» محافظة.
وقد برهنت للرئيس نميري، بالمستندات المالية، أين تمّ صرف هذا المبلغ.. وأبرزت له التوقيعات الصادرة من كل جهة استلمت المبلغ.. وأبرزها توقيع المرحومة الأستاذة نفيسة كامل، المدير التنفيذي لإتحاد نساء السودان.
* دفع الله
* قلتُ لها: نميري اقتنع؟؟!.
** قالت: اقتنع.. ولكن، في ذاك الإجتماع حصل كلام بيني وبين دفع الله الحاج يوسف..
* قلتُ لها: مولانا..؟؟!... ماذا حدث بينكما..؟!.
الراجل صاحبي جداً.. وهو رجل في غاية التهذيب؟؟.
ولكن: دعي «الصحوبية» جانباً.. خلينا جادين: ماذا حدث بينك وبين مولانا دفع الله الحاج يوسف؟؟!.
** قالت بنبرة، تحمل «الزعل القديم»:
دفع الله بدأ يتحدّث عن الدستور.. وقال: «أنا كتبت الدستور»..!!.
فرديت عليه: وأنا كنت معترضة، على بعض بنوده.. وكنت ضد اجازته..
حتى إنَّ بدر الدين سليمان، بعد الإجتماع، قال لي: كنتِ عنيفة داخل الإجتماع.
* بكى يا ناس..!
* سألتها عن «الشمار» التاريخي:
ما وريتنا.. نميري بكى بسببك.. الـ«بكاهو شنو»؟؟!.
** نميري اقتنع بوجهة نظري.. وقد كان معجباً جداً بأدائي ونشاطي.. وهو يعلم مدى إخلاصي لمبادئ مايو.. ومدى التزامي بالقانون.
أذكر أنّه، بعد إجتماعنا الشهير، بقاعة الصادقة.. أَنْ خاطب نميري، مجلس الشعب القومي..
* قاطعتها قائلاً: هل ذهب للمجلس «مخصوص»، عشان موضوعك؟؟!.
** قالت: نعم.. قبلها.. نميري، كان أَنْ كوّن لجنة.. وبعد أَنْ توصّلت اللجنة إلى الحقائق.. اصدرت رئاسة الجمهورية بياناً، تمّ فيه تكذيب لهذه الإشاعة والإتهامات.
* وماذا حدث في برلمان مايو؟؟!.
** أذكر.. قبل مجيء نميري للبرلمان، وقبل إجتماعنا بقاعة الصداقة.. أَنْ جاءه بدر الدين سليمان، وقد كان رائداً لمجلس الشعب، ووضّح لنميري القصة كاملة.. وهو على علمٍ بكل تفاصيل المبلغ.. فقد شرحتها له.. وقال للنميري: «فاطمة قدّمت لمايو الكثير.. وضحّت»..
* ولكن، نميري، اقتنع بعد إجتماع القاعة الشهيرة؟؟.
** نعم.. نعم.. اقتنع.. لذلك ذهب وخاطب مجلس الشعب القومي.
* ماذا قال أمام المجلس؟؟!.
** أجابت بغبطة: قدّم مرافعة قوية جداً.. ودافع عن إنجازاتي وأدائي وسمعتي.. ووصل درجة من التأثر حتى بكى، أَمام الحاضرين.
* قلتُ لها: بكى شديد.. وللاّ «نُص نُص»؟؟!.
** قالت: بكى بتأثر بالغ.. لأنّه شعر بأنَّ هناك ظلماً شديداً قد وقع عليَّ.. وهو يعلم مدى إخلاصي، لمباديء مايو.. ويعرف تماماً نزاهتي.
نميري تحدّث بزعل شديد.. ولعلّه تذكر القصة التي رواها له البعض، بأنَّ فاطمة عبدالمحمود، ذات مرّة، غطّت رحلة من رحلات الإتحاد الإشتراكي.. بأنْ باعت «غويشاتها»..
نعم.. أنا بعت من «دهبي»، ذات مرّة، حتى أغطي، رحلة متعلقة بالإتحاد الإشتراكي السوداني..
* قلتُ لها: وماذا كان تعليق الشارع السوداني، على «بكية» نميري؟؟.
** كانت تصلنا الاشاعات.. وكل ما يثار حولنا، في الشارع..
فقد تحوّلت حكاية الـ«180» ألف، إلى أغنية، يرددها البعض..!.
* قلتُ لها: الأغنية.. كانت بتقول شنو؟؟!.
** قالتها، بدون لحن: بكى.. يا ناس بكى.. بكى، وجاني اشتكى..!.
* قلتُ لها: أنا متذكّر الأغنية دي..
ثم رددتها أمامها باللحن المشهور، لهذه الأغنية التاريخية..
لماذا حظروك من السفر إلى الاتحاد السوفيتي.. وحبسوك في السور الكبير، ألاَّ تخرجي من السودان؟؟!.
- الفريق عبود، شخصياً، عليه رحمة الله، ومعه مجلس القيادة للعسكريين، قرروا في اجتماع، ألاَّ تغادر الطالبة فاطمة عبد المحمود، السودان..
وألاَّ تدرس بالاتحاد السوفيتي.
لقد كان وزير الداخلية، وقتها، هو السيّد محمد أحمد عروة... ونائبه هو أَحمد رضا.
لقد أخطروني، بأَنَّ أَسباب الحظر، تعود إلى أنشطتي في الخارج.
ولعلَّ أقوى سبب، علمته فيما بعد، هو أَنّني تحدّثتُ في ملتقى شهير بأوسلو عن حكومة عبود.. وهاجمتُ مجموعة الـ«7 عساكر».
* العسكري
وفي اجازتي بالسودان، والتي علمتُ خلالها بقرار الحظر..
جاء عسكري، في الصباح الباكر، إلى منزلنا.. وأخطرنا بأَنَّ هناك استدعاء لفاطمة من وزير الداخلية.
طبعاً أهلي صعقوا واتخلعوا جداً.. وزير الداخلية يريد أَنْ يقابل ابنتهم الطالبة؟؟!.
المهم.. ذهبنا أَنا ووالدي.. ووصلنا إلى وزارة الداخلية.. وبعد أَنْ عرّفنا أنفسنا.. قالوا لنا: وزير الداخلية، غير موجود.. لكن هناك نائبه.
وبالفعل قابلنا وزير الداخلية بالإنابة، السيّد أحمد رضا.
وقد كان في معيتنا ابن عم والدي، الأُستاذ الرشيد نايل.. وهو قاضي سابق ومحامي.
* عنف شديد
أَحمد رضا، قابلنا بعنف شديد.. وقد كان غليظاً جداً في حديثه معنا.. وقال لي: «أنتِ وجهتِ اساءات بالغة لحكومتنا.. واشتركت في أنشطة كثيرة مضادة لنا.. وعندنا تقارير وتسجيلات كاملة، لأنشطتك بالخارج».
واستمر رضا في حديثه.. حيث ختم كلامه قائلاً: «أَنتِ محظورة من السفر»..!.
ثم استطرد في الحديث: «ستكون هناك بدائل، لمواصلة دراستك، بالسودان.. اذهبي للضابط عمر علي حسن، ولديه التعليمات الواضحة، تجاه موضوعك».
وبالفعل.. ذهبنا للضباط عمر.. وظلّ يحقق معي، على مدى ثلاثة أَيام..
ثمّ يقول لي: «أمشي.. وتعالي بكره»..!.
* عروة
وأثناء أيام التحقيق.. جاء وزير الداخلية، السيّد محمد أحمد عروة، من رحلته...
وفي يوم ضمن أيام التحقيقات معي... فوجئت بأنّني أَمام ما يشبه اللجنة.. وهم: عروة.. وأبارو، وقد كان مدير البوليس.. ونائبه، عبد القادر محمد الأمين أبو شامة.. وأبو شامة هو عمي.. وقد كان ضابطاً منضبطاً جداً، لم يتدخّل مطلقاً..
ورفض التدخل، بأي شكل من الأشكال..
وما كان يقبل أَنْ يتناقش معه أَحد، من أفراد الأسرة، في موضوعي، هذا..!.
وفي يوم آخر.. استدعاني وزير الداخلية، عروة.. مشينا أَنا وأبوي ونايل... تحدّث معي عروة، ثمّ أبارو...
وأذكر أَنَّ عروة قال لي:
«التقارير عنك تقول إنك أسد.. وأَنتِ أمامي الآن، وديعة جداً».
ثم ختم بالقول: «على كلّ حال، الرئيس عبود قرر ألاَّ تذهبي للدراسة في الاتحاد السوفيتي.. ووجّه بوضع بدائل دراسية بالداخل».
* المفاجأة
ولقد فاجأني عروة، بعرضٍ غريب جداً.. إِذْ قال لي: «ممكن نعيّنك عميد لكلية التمريض العالي».
فرديت عليه بالقول: «أنا ما قررت أكون ممرضة أو Sister.. أنا قررت أَدرس الطب».
فقال لي: «أكتبي جواب لطلعت فريد، وزير التربية والتعليم العالي.. حتى يوجد لك فرصة للدراسة بالجامعة، هُنا».
وأيامها كانت مطروحة فكرة دمج جامعة الخرطوم، ضمن مؤسسات الوزارة.. وألاَّ تكون هناك استقلالية، للجامعة.
وكان أَنْ قام طلعت فريد، بكتابة خطاب لمدير الجامعة.. طلب فيه، قبولي..
أَذكرُ أَنَّ عميد كلية العلوم، بروفيسور مصطفى حسن، رفض إجازة طلبي الذي تقدّم به وزير التعليم، طلعت فريد.. وقد كانت حجة العميد أَنَّ هذا السلوك، يعتبر تدخلاً سياسياً.. ويضر باستقلالية الجامعة.. فرفض دخولي لكلية الطب، والذي يبدأ بسنة في كلية العلوم.
ذهبتُ للعميد مصطفى حسن.. وقلتُ له: «الناس ديل منعوني اتعلّم بالخارج.. وقصدوا يضعوا الموضوع أمامك، حتى ترفض.. أَنا أرجو أَنْ تقيّم شهاداتي.. وإذا كنت مؤهلة، من حقي أَنْ أدخل جامعة الخرطوم.. وإلاَّ فلا».
فطلب منّي أَنْ أكتب طلباً للجنة المسؤولة.. وأرفق معه شهاداتي.. ثمّ يُعرض الموضوع على مؤسسات الجامعة المعنيّة..
وقد فهمت منه أنّه لا يرفض التعامل مع قضيتي بالفهم الأكاديمي، مثلي مثل بقية الطُلاب.. ولكنه يرفض أي تدخل سياسي.
وقد احترمت هذا الجانب، في هذا الرجل.
وبالفعل.. طلعت موافقة وتمّ قبولي بالجامعة.. وأخذوني في كلية الطب، على أَنْ أبدأ بكلية العلوم.
وقد كان عميد كلية الطب، وقتئذٍ، بروفيسور منصور علي حسيب.. ومقرر اللجنة هو البروفيسور علي فضل..
فأجازت اللجنتان «مشتركة بين كلية العلوم وكلية الطب»، أجازتا طلبي، بالإعتبارات الأكاديمية.. فدخلت الجامعة.
* أكتوبر
بدأت الدراسة.. ولكن، بدأ الشارع يشتعل، حيث كانت ثورة أكتوبر، والمظاهرات.
فاجتمع بي، بعض أفراد أُسرتي.. وقالوا لي: «المشاكل ستستمر.. والجامعة حا يقفلوها.. ولن يكون هناك إستقرار .. فأحسن ليك تعودي للدراسة، بالاتحاد السوفيتي.. خاصة وأَنَّ المسألة قد تنتهي بفصلك من الجامعة.. وأنتِ ناشطة ومناهضة لنظام عبود».
الكلام كان منطقياً، ومقنعاً بالنسبة لي.
* العودة
* قاطعتها قائلاً: ماذا فعلتِ.. وماذا كان قرارك؟؟!.
- هو أَنْ أعود لمواصلة دراستي بموسكو...
فرجعت لطلعت فريد.. فرفض عودتي للاتحاد السوفيتي.. وقال لي: «ممكن نوديك تدرسي في العراق».
في ذاك الاجتماع، مع طلعت فريد.. كان هناك شخصان يحضران الاجتماع، وهُما إبراهيم نور «مدير إدارة التعليم العالي».. وهاشم ضيف الله «من وزارة التربية والتعليم».
فأمر الوزير بأَنْ أذهب معهما.. وقد فوضوهما بحل مشكلتي وفق التوجيهات المحددة..
* فرنسا
وفعلاً ذهبنا، نحن الثلاثة لمكتب أحدهما..
فأعطى إبراهيم نور، تعليمات، لسكرتيرته بألاَّ يدخل علينا أَحد.. ثمَّ قفل الباب.. وقال لي بالنَص: «الناس ديل بيلعبوا... ونحن عندنا منح دراسية لفرنسا... نحن حا نعطيك منها، واحدة.. ومن هناك أمشي للاتحاد السوفيتي».
فقبلتُ الفكرة، باعتبارها أسلوباً جيداً للتخلص من الحظر..
وقدّرتُ لهما هذه الفكرة، ومساعدتي للخروج من السودان.
* ولكنّا علمنا أَنَّ هناك مشكلة واجهتك بالنسبة لجواز السفر.. كيف تتخلصتِ من قرار الحظر، الصادر من الرئيس عبود شخصياً؟؟!.
* عمي سرور رملي، كان ضمن قيادات الإدارة الأهلية.. وقد كان مستشاراً لمجلس قيادة الثورة.. وصديقه هو شيخ علي المنير، وهو زعيم السجادة التسعينية.. ولهما مكانة خاصة عند عبود.
وكان عبود يتوق لأن يصبح رئيس جمهورية.
فذهب الشيخ المنير، وقابل عبود.. وقال له: «أَنا شُفتَ في المنام، إنو بتنا فاطمة، شايلا ليها تاج رئاسة الجمهورية.. وبتلبسك ليهو، في راسك».
ثمّ روى لعبود حكاية حظري... فأمر الفريق عبود ووجّه بأن يسحبوا اسمي من قائمة حظر السفر.. وقال بالنَص: «طلعوا ليها جواز، على حسابي»..!.
* نعم.. ثم ذهبت للاتحاد السوفيتي.. وأكملت دراسة الطب.. وظللت «مشلهتة»، ما بين موسكو ولندن.. في رحلة «الزوج وزوجته»..؟!.
* نعم.. واصلتُ دراستي وأنشطتي.. وقد نجحت فكرة أَنْ أذهب لفرنسا، بإدعاء أنّني ذاهبة لأتعلّم هناك..
ومنها طرتُ إلى جامعتي بموسكو.
* نميري
* أُستاذة فاطمة.. سنسدل الستار على حياتك الطلابية.. وقد علمنا كلّ أَسرارها..
نعتبرك خلصت الجامعة..
ثمَّ عدتي إلى السودان.. وبدأتي فصلاً جديداً مع مايو.. ونميري.. ونظامه؟.
* نعم.. وتلك فترة طويلة.. وجزء أساسي من مسيرتي في الحياة العامة.
* قلتُ لها، بلطف: أَرجو ألاَّ تغضبي، من أي سؤال، أُوجّهه لكِ..
فأنتِ امرأة شفافة.. وقد كنت وزيرة صغيرة، في السن.. لبقة جداً..
وجميلة جداً؟؟!.
- أجابت ببرود إنجليزي، ممزوج بثقة روسية: أنا جاهزة لأي سؤال... حتى في أدقّ خصوصياتي.. وكما قلت أنت: «الشخص العام، ليس له أَسرار أو حياة خاصة».
***
* ثمّ نادت على الشغالة.. وطلبت منها أَنْ تعمل لي حاجة.. فسألتني البروفيسور فاطمة:
تشرب شنو؟؟!.
فقلتُ: شاي بلبن..!.